الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قضايا الشرق الأوسط تُشعل سباق ترامب - بايدن الانتخابي نحو البيت الأبيض

صدى البلد

ستظل قضايا الشرق الأوسط دائمًا عاملًا محوريًا في السباق بين مرشحي الرئاسة الأمريكية، إلى جانب القضايا الحياتية التي تمس حياة الناخب الأمريكي، وسط تناقضات حادة بين الجمهوريين والديمقراطيين وبين ترامب وبايدن، من أجل الوصول إلى البيت الأبيض.

ورغم أن منطقة الشرق الأوسط تحكمها ثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقد من الزمن، منها: القرار الأمريكي بالتحول نحو آسيا وإعطائها الاهتمام الأكبر، واعتماد واشنطن السياسة الانتقائية حيال قضايا الشرق الأوسط بمعنى التدخل وفق معيار تقدير المصلحة الأمريكية وقوة العلاقة مع الحليف وأخيرًا أمن إسرائيل، إلا أنها بقضاياها ستظل مجالًا للسجالات الأمريكية بين المتنافسين.

ويبدو أن استراتيجية التعاطي المطروحة مع الملف الإيراني ستكون هذه المرة عاملًا مفصليًا في إشعال حدة المنافسة بين بادين وترامب، على خلفية الاتفاق استراتيجي الذي تم توقيعه مؤخرًا بين إيران والصين مدته 25 عامًا، الأمر الذي يقلب طاولة المعادلات السياسية والاقتصادية في المنطقة، ويمنح الصين فرصًا لبسط النفوذ والتغلغل في الشرق الأوسط، ما يخلق متغيرات تقلب التوازن الجيوسياسي فيها عبر بسط سيطرة الصين وروسيا المستفيدة من الاتفاق على مقدرات المنطقة.

ووفقًا للمتخصصين في الشأن الأمريكي، لا تُعتبر السياسة الخارجية عاملًا حاسمًا في الانتخابات، إلا إذا شعر الأمريكيون بخطر داهم، في حال تصاعدت وتيرة الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران بشكلٍ حاد، مؤديةً إلى أعمال إرهابية، أو هجمات سيبرانية، أو تهديدات بشن هجمات بالأسلحة النووية، في هذه الحالة ستشكل السياسة الخارجية عندئذ مسألة انتخابية كبرى.

ويرى مراقبون أن إسرائيل ستشكل على الأرجح مسألة انتخابية، لأن الرئيس دونالد ترامب سيبذل قصارى جهده لضمان ذلك، إذ يبدو أن خطة السلام التي أعلن عنها في يناير الماضي، التي تشجع إسرائيل على ضم الكثير من أراضي الضفة الغربية، تم تصميمها للمساعدة على إعادة انتخاب كل من ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لذا من المتوقع أن يتعمد ترامب إثارة الخلافات مع جو بايدن المرشح الديمقراطي حول إسرائيل، سعيًا منه إلى حشد الدعم في أوساط الأمريكيين الإنجيليين (الذين يشكلون حوالي ربع الناخبين).

ترامب وبايدن والشرق الأوسط

وفي دراسته المهمة بعنوان" الأجندة الغائبة: كيف ينظر بايدن إلى الشرق الأوسط؟" حدد الباحث والخبير الاستراتيجي عزت إبراهيم، رؤية بايدن للسياسة الخارجية، استنادًا إلى ما كتبه جوزيف بايدن بدورية "فورين أفيرز" الأمريكية تحت عنوان (ماذا يجب أن تقود أمريكا من جديد؟) في مارس الماضي.

جاءت رؤية بايدن للشرق الأوسط هامشية ولم تشغل الكثير من تفكير المرشح الديمقراطي وفقًا للخبير الاستراتيجي، لأن شغله الشاغل هو كيفية استعادة "القيادة الأمريكية" لدورها في العالم.

وكما يقول بايدن: إنه "منذ اليوم الأول لإدارة بايدن سيكون لدى الدول الأخرى مرة أخرى سبب للثقة واحترام كلمة الرئيس الأمريكي، ومن خلال العمل معًا، يمكن للديمقراطيات أن تواجه صعود الشعبويين والقوميين والديماجوجيين والقوة المتزايدة للسلطات الاستبدادية وجهودها لتقسيم الديمقراطيات والتلاعب بها؛ والتهديدات الفريدة لعصرنا، بما في ذلك التهديدات المتجددة للحرب النووية، والهجرة الجماعية، والآثار المدمرة للتكنولوجيات الجديدة، وتغير المناخ"، وبالتالي يتبنى بايدن النظرة الديمقراطية التقليدية؛ المتمثلة في تعزيز التدخل الليبرالي في الشرق الأوسط، الأمر الذي تجسد في دعمه القديم لغزو العراق، والحفاظ على الروابط الاقتصادية، والعسكرية والسياسية مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين.

وفي حال فوز بايدن بالسباق الرئاسي، فإنه سيكون هناك تأثير على صنع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وهذا التأثير من شقين؛ الأول، أن هذا سيعني حيادًا جذريًا عن نهج ترامب الحالي، والثاني، أنه ستختلف وجهات نظره تجاه الشرق الأوسط ويتجلى هذا خلال الرؤية حول العديد من القضايا المهمة وخاصة قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وفي حال فوز بايدن أيضًا، قد يشهد الملف الإيراني تغييرات تستمر معها العقوبات ولكن تتراجع إمكانية العمل العسكري والتركيز على الدبلوماسية بفضل عودة الحرارة إلى العلاقات مع الأوروبيين والحلفاء.

وتشير تقارير إلى أن ما يميز بايدن عن ترامب هو انخراطه على مدى أكثر من ٤٥ عاما في الدبلوماسية والسياسة الأمريكية في سائر الشرق الأوسط، سواء كنائب لأوباما أو قبلها كسيناتور في مجلس الشيوخ من عام ١٩٧٣ وحتى ٢٠٠٩، وبايدن مؤيد قوي لإسرائيل طوال حياته السياسية، ويقول إن التزامه بأمن إسرائيل "صارم"، ويدعم المرشح الديمقراطي حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وعليه، يمكن القول إن وصول بايدن إلى البيت الأبيض قد يشكل عودة إلى الدبلوماسية الوسطية وتوطيد العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين واتخاذ موقف أكثر واقعية تجاه الحلف الأطلسي، وبدء مرحلة أكثر وضوحًا في العلاقات الأمريكية الروسية.

أما الرئيس ترامب، فلا شك أنه قلب السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط رأسًا على عقب، مقارنة مع سلفه باراك أوباما، ومن المتوقع أن يعول على سجله هذا لكسب دعم القاعدة الإنجيلية، وترامب الذي تعمد تحويل سياساته حيال الشرق الأوسط إلى مسألة حزبية، سيسخر لصالحه الدعم المطلق الذي قدمه لإسرائيل، وعمليتي اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وزعيم "داعش" أبو بكر البغدادي.

وتعليقًا على البعد المحوري للشرق الأوسط في الرئاسة الأمريكية الجديدة ما بعد نوفمبر 2020، قال توماس فريدمان الكاتب الصحفي الأمريكي، إن السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط ستختلف حال فوز المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل.

وأكد أن إدارة ترامب تقوم بعمل غير معتاد في الشرق الأوسط من خلال الانخراط في قضاياه، مشيرًا إلى أنه إذا فاز بايدن فالسياسة الأمريكية الخارجية تجاه المنطقة لن تكون بذات العمق أو مشابهة لما كانت عليه في فترة الثمانينيات والتسعينيات، لكنها ستكون أكثر ميلًا نحو مستوى الدبلوماسية بشأن قضايا المنطقة.

في حين قال جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في أحد حواراته الصحفية: "خطة السلام في الشرق الأوسط لن تنجح في حالة عدم إعادة انتخاب ترامب".

وفي واحدة من النتائج الأخيرة لترامب في استطلاع الرأي لسباق 2020 الرئاسي، حصل الديموقراطي بايدن على 50 بالمئة من الأصوات مقابل 36 بالمئة للرئيس الجمهوري، حسب ما أظهر مسح أجرته صحيفة نيويورك تايمز ومعهد سيينا، وتشير معظم استطلاعات 
الرأي الأخيرة إلى تقدم بايدن على ترامب بمعدل عشر نقاط، وذكر الاستطلاع الجديد أن بايدن حقق تقدما كبيرا بين النساء والأمريكيين السود واللاتينيين.

وستشهد الفترة المقبلة سجالات سياسية حادة بين الجمهوري ترامب والديمقراطي بايدن، وستكون الشرق الأوسط بقضاياه وتشابكاته الحاضر دائمًا بقوة على تجليات المشهد السياسي الأمريكي في نوفمبر 2020.