الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أمل مصطفى تكتب: عبادة خفية

صدى البلد

عند التأمل فى كلمة “عبادة” فإن أول ما نفكر فيه العبادات المتعارف عليها من صلاة وصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام وغيرها ، ورغم عظم شأن هذه العبادات وفضلها الكبير إلا أن هناك عبادات أصبحت خفية، ربما لزهد الناس بها وغفلتهم عنها، وأجر هذه العبادات في وقتها المناسب يفوق كثيرًا من أجور العبادات والطاعات، ومن هذه العبادات عبادة "جبر الخواطر".


فإننا نسمع كثيرًا عن جبر الخواطر، ولكننا لا نشعر معناها، ولا ندرك أثرها على الغير، على الرغم ما لهذه الشعيرة الإيمانية التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه من عظيم الأثر على نفوس الناس ، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم،  فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني واجبرني وارزقني) ..


فالجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى، وهو «الجبار»، وهذا الاسم بمعناه الرائع يطمئن القلب، ويريح النفس، فهو سبحانه الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة ، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل ، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان ، فهو جبار متصف بكثرة جبره وقضاء حوائج خلقه ، فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة ، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله..


فكم منا من يطير فرحًا إذا ابتسم أحد الناس في وجهه، وكم منا من لا تسعه السعادة إذا سمع كلمة تشجيع أو استحسان من غيره فما بالنا بأثر ذلك على أصحاب الحاجات أو الأيتام ، أو الفقراء والمساكين.. ، إن إماطة الأذى عن مشاعر وقلوب الناس لا يقل درجة عن إماطة الأذى عن طريقهم.. اجبروا خواطر من حولكم.. راعوا مشاعرهم وتلطفوا معهم، وانتقوا كلماتكم بعناية فالكلمات لا تندمل جراحها على قول الشاعر :
جراحات السنان لها التئام

ولا يلتئم ما جرح اللسان.


يقول سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة أعظم من جبر الخواطر”.. وعلى هذا الكلام ، فوضع الكلمة الطيبة في "صناديق" القلوب أفضل من وضعها في صناديق التبرعات..


جبر خاطر غيرك سينقى قلبك أنت.. اجبر بخاطر أهلك فأنت لا تضمن إلى متى هم معك.. اجبر بخاطر أصدقائك فالكلمة الطيبة صدقة، وجبر الخواطر صدقات موزعة.. إن لجأ إليك أحد أعنه ولا تستفرد به أو تستغل ضعفه أو حاجته إليك فتؤنبه أو تتخل عنه.. إن أتاك شخص محبط أو حزين طيب خاطره، لا تشعره بندم أنه أظهر ضعفه أمامك ،  فأكثر ما يكسر خاطرنا هو البكاء أمام من لا يقدر دموعنا..


جبر الخواطر سيرقق قلبك، والله مع القلوب الرقيقة (الله مع الجميع ولكن أصحاب القلوب الرقيقة الطيبة أقرب إلى خالقها لنقائها).. اجبر خاطر محتاج حتى لو كنت عاجزا عن مساعدته ، بكلمة أو بنصيحة على أضعف الإيمان ، وإياك أن تشعره بعجزه.. 
اجبر خاطر من هم حولك دوما بأى طريقة تسعدهم.. 


الحياة أصبحت صعبة جدا والنَّاس فيهم من حولته الظروف إلى قاس أو منغلق أو لا يهمه سوى مصلحته او مندفع نحو الدنيا. فلنخفف وطأتها بجبر الخواطر.. 


فى عصرنا اليوم مع كثرة الفتن والمشكلات تشتد الحاجة إلى مواساة الناس وتطييب خواطرهم عبر كل الوسائل.. خاصة أن جبر الخواطر لا يحتاج إلى جهد.. فبكلمة أو دعوة أو مساعدة أو حتى ابتسامة تفتح قلبًا مهمومًا وخاطرًا مكسورًا  ..


كما قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم (الكلمة الطيبة صدقة)..  فالكلمة الطيبة تعكس تربية صاحبها وثقافته وأخلاقه، وتأثيرها على الآخر لا يقل عن تأثير السحر على النفس والروح ..


فسلام من الله ورضا على كل من جبر خاطرا وأعان ضعيفا ورحم مكسورا، سلاما على أرواح نقية طيبة أينما مرت أزهرت بطيب عطر كلامها..