الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر تشكل مستقبل الطاقة في أوروبا

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي

ساعد التطور الكبير والسريع في صناعة البترول والغاز المصرية وتحولها من مستورد للغاز الطبيعي إلى مصدر بعد أن أعلنت عن تحقيقها للاكتفاء الذاتي أواخر عام 2018، في تخطي مرحلة الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم إلى إنشاء كيان استراتيجي جديد (منتدى غاز شرق المتوسط) يجمع سبع دول في منطقة شرق المتوسط، قد يغير مستقبل صناعة الطاقة في المنطقة وأوروبا على وجه التحديد.

مع تغير التوجه العام في كثير من دول العالم نحو التخلص من مصادر الطاقة الملوثة للبيئة، كالفحم والبترول، للاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، يعد الغاز الطبيعي بمثابة البديل الانتقالي الأمثل في الوقت الحالي حتى يرتفع إنتاج الطاقة المتجددة بالقدر الكافي ليقابل الارتفاع الهائل في الاستهلاك إلى أن يتم إسدال الستار عن عهد البترول والغاز، وهو ما يستبعده المحللون على الأقل في المستقبل القريب.

ويأتي توقيع الدول السبع المؤسسة للمنتدى وهي مصر إيطاليا واليونان والأردن وفلسطين وقبرص وإسرائيل بالإضافة إلى فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية التي تنضم للمنتدى كمراقب، الأسبوع الماضي، على الميثاق الخاص بتحويله إلى منظمة دولية حكومية في منطقة المتوسط تسهم في تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي وتحقق استغلالًا أمثل لموارده، بمثابة ترجمة عملية لتطورات صناعة الطاقة العالمية، وقد وضعت المنظمة على رأس أولوياتها "التعاون البناء والمشاركة بهدف التركيز على استغلال الطاقة من أجل تحقيق السلام ونشر التنمية وتحقيق طموحات ورفاهية الشعوب".

إن إطلاق المنظمة في فترة وجيزة نسبيا "20 شهرا" وفتح سبل التعاون مع الدول أعضاء المنظمة يعد بمثابة التأكيد على استقرار وقوة الاقتصاد المصري، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإصلاحات الهيكلية والاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني الذي تتمتع به مصر، في ظل التوترات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة، ساهم بفاعلية في خروج المنظمة للنور، هذا بالإضافة إلى البنية التحتية القوية واستكشافات الغاز العملاقة التي جعلت من القاهرة لاعبا رئيسيا في صناعة الغاز الإقليمية. 

اقتصاديا، تعد المنظمة الجديدة فتحا كبيرا وانفتاحا هائلا في صناعة الطاقة على المستوى الإقليمي، وذلك في ظل الاحتياطات الغازية الكبيرة للدول أعضاء المنظمة والتي تقدر بحوالي 320 تريليون قدم مكعب، يقابلها زيادة في استهلاك الغاز الطبيعي المسال في أسواق التصدير الرئيسية المستهدفة أهمها دول الاتحاد الأوروبي والتي وصل استهلاك الغاز الطبيعي بها إلى 482 مليار متر مكعب في 2019، بزيادة 2٪ عن عام 2018، تمت تغطية 83.2٪ منها بالاستيراد.

على الرغم من أنه من المتوقع أن يزداد استهلاك الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي لتقابل معدلات النمو الصناعي، انخفض الإنتاج الأوروبي بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، إذ تشير إحصائيات الاتحاد الأوروبي إلى أن إنتاج الغاز الطبيعي انخفض بمقدار النصف تقريبا ليصل إلى 101 مليار متر مكعب عام 2019، مقارنة بحوالي 233.5 مليار متر مكعب عام 1998.

ويغطي الغاز الطبيعي 20% إلى 25% من إجمالي الطاقة المستهلكة في دول الاتحاد، ومع انخفاض الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي، من المتوقع أن يصبح الاتحاد الأوروبي أكثر اعتمادا على الاستيراد.

وتهيمن روسيا حاليا على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا إذ توفر نحو 40% من واردات الغاز الطبيعي لبلدان الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تحذر منه الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية وترى أن الاعتماد على الغاز الروسي يقوض الأمن في أوروبا ويسهم في تعزيز قبضة موسكو الاقتصادية على القارة.

في الوقت ذاته، يواجه مشروع خط أنابيب (نورد ستريم 2)، الذي يهدف إلى توصيل 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى، معارضة أوروبية وأمريكية نظرا لأنه يزيد من اعتماد أوروبا على واردات الغاز من روسيا، وقد بلغ الأمر بواشنطن حد فرض عقوبات على المقاولين العاملين فيه.

وهنا تبرز أهمية وجود تكتل إقليمي قوي قادر على الوفاء بالاحتياجات المتزايدة من الطاقة لدول الاتحاد، ويحظى في الوقت ذاته بثقة أعضائه، وهو ما ينطبق على منتدى غاز شرق المتوسط، وقد ساند الاتحاد الأوروبي جهود مصر وقبرص لتوقيع اتفاقية لمد أنبوب لنقل الغاز من الحقول القبرصية إلى محطتي إدكو ودمياط لإسالة الغاز لإعادة تصديره لأوروبا، كما شجع مد أنبوب آخر من السواحل المصرية تجاه قبرص ومنها لجزيرة كريت اليونانية حتى أوروبا عبر الأراضي الإيطالية، كما وقعت إسرائيل واليونان اتفاقا لخط نقل الغاز إلى أوروبا.

رغم أن صادرات الغاز لدول المنظمة مؤهلة للارتفاع والتوسع، هناك عدة تحديات تواجه الدول الأعضاء، أهمها ارتفاع الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي والتناقص الطبيعي للآبار، وارتفاع تكاليف التنقيب خاصة في المناطق البحرية والتي تمثل غالبية إنتاج الدول الأعضاء، فضلا عن الحاجة إلى استيعاب الكميات المنتجة من الغاز لتسييلها وإعادة تصديرها يحتاج إلى مشروعات للبنية التحتية ومصانع للإسالة بالإضافة لمصنعي الإسالة في مصر، وصعوبة اختراق أسواق أخرى في ظل المنافسة الكبيرة،.

وتغير ديناميكيات الطاقة في ظل توجه العديد من الدول للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وما يقابله من انخفاض في الاعتماد على الغاز الطبيعي، مع زيادة الاستكشافات والمنافسة مع الدول الأخرى المنتجة خارج المنظمة (روسيا والولايات المتحدة وقطر) والذي قد يؤدي لتقلب الأسعار وانخفاضها.

ويمثل التعامل مع هذه المخاطر أساسا لنجاح المنظمة من خلال اختراق أسواق جديدة وتنويع الإمدادات وتطوير البنية التحتية وتنمية رأس المال البشري وضبط الأوضاع المالية وإدارة التكاليف، بالإضافة لتعزيز دور القطاع الخاص وتشجيع المنافسة والاستثمار في قطاع الغاز.