الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رد اعتبار الشعر العالمي بجائزة نوبل «لويز غليك»


عندما قرأت خبر فوز الشاعرة الأمريكية، لويز غليك، بجائزة نوبل في الآداب لعام 2020، لم أسعَ فقط للبحث والقراءة من جديد عن "لويز غليك" الشاعرة الأمريكية التي أصبحت ملء السمع والبصر في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العديد من دول العالم منذ أكثر من عقد من الزمان، بعدما تحول شعر "غليك" إلى صوت شعري متفرد خاص بها ملىء بالإحساس والمعاني ومعبر بذاته عن جماليات خاصة.


ولكني قارنت على الفور، بين ما يحدث عندنا في العالم العربي منذ عقود وما يجري في الخارج ناحية الشعر. فعندنا وطوال أكثر من عقدين من الزمان لا تزال أصوات تتردد وفق نظرية نقدية فاشلة، في رأيي روجت أن ما نعيشه أدبيا في مصر والعالم العربي، هو زمن الرواية، وأن المبيعات العالية للعديد من الروايات طوال السنوات الماضية، تدفعها لأن تكون هى ديوان العرب. وبالطبع كان هذا الكلام من وجهة نظري المتواضعة، ومع كل الاحترام للكثير من القامات النقدية التي كتبته خطأ تام.


لأنه ببساطة، يقضي على ألوان إبداعية كثيرة، كانت متفردة ضمن قوى مصر الناعمة، طوال سنوات عدة لكنها اختفت تحت سيف الشعار الأدبي الجارف أو النظرية النقدية زمن الرواية. فاختفت القصة القصيرة المصرية ذائعة الصيت، والناجحة واختفى الشعر والديوان اللافت وأصبح الجميع من الصغار والكبار، من المبدعين، يجرون وراء الرواية باعتبارها الأنجح والأكثر مبيعا، فقضيا بأيدينا على تراث إبداعي مصري مميز في مجالات الشعر والمسرح والقصة القصيرة، وأصبح ما ينتج وينشر من هذه الألوان الابداعية سنويًا لا يذكر.


المجد في رأيي للعمل الإبداعي الانساني المميز، الذي يكتب باحساس عال وضمير مخلص وتجربة أدبية ناضجة، سواء كان شعرا وقد كان ولا يزال عندنا في مصر والعالم العربي، أصوات شعرية عالمية، فلا أحد ينسى محمود درويش ونزار قباني، وأحمد فؤاد نجم وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور، فالشعر المصري والعربي وقبل النظرية "الفارغة المدمرة عن الرواية" رغم اني أحبها ولست ضدها، كان ملء السمع والبصر سواء كان سياسيًا أو رومانسيا أو شعرا بالعامية المصرية، المهم الإخلاص في الرؤية والاحساس الصادق بما يكتب أدبيا وعدم خروج النص، للحظة أو للمناسبة أو لحاكم أو للتمجيد أو للتهليل أو حتى للحقد.


اليوم، ومع فوز "لويز غليك" بجائزة نوبل في الشعر، فإنها دعوة، لاعادة الاهتمام بألوان إبداعية موجودة ولن نخترعها لاعادة الزخم للقوى الناعمة لمصر، والثقافة المصرية التي ظلت مهيمنة ولا تزال لعقود، في شتى أنحاء العالم العربي. الذي يعلم تماما قيمة نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم ويحيي حقي ويعلم قيمة أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وغيرهم في مختلف فنون الكتابة الإبداعية.


لسنا في حاجة لقتل ألوان ابداعية، ودفع دور النشر القليلة للاعتقاد بصحة هذه النظريات والإحجام عن نشر دواوين شعرية أو نصوصا مسرحية أو مجموعات قصصية قصيرة.


ليكن المعيار هو قيمة العمل الأدبي وانسانيته ورسالته، وليس لونه وما إذا كان رائجًا تجاريًا اليوم أم لا.
أما لويز غليك، فمن المتعة الحقيقية قراءة ما ينشر عنها هذه الأيام خصوصا وانها ليست معروفة بالدرجة الكافية في الوطن العربي. إنها صاحبة عجلة مشتعلة تدور فوقنا وصاحبة 12 ديوان شعري مميز، ومن الولايات المتحدة الأمريكية تعشق البساطة في أبياتها الشعرية، وينساب الشعر على لسانها، وتعلق في الأذهان أبياته بكل سهولة. لأنه حس إنساني صادق.


"لويز غليك" تعيد الاعتبار للشعر مرة ثانية، بفوزها بأكبر جائزة أدبية عالمية وتدفعنا من جديد للتفكير في آلة تدمير ألواننا الابداعية، ويا أيها المبدعون صغارا وكبارا، كونوا كما أنتم من يقرض الشعر ومن يبدع في الرواية ومن يعشق المسرح، ومن هو من تلاميذ تشيكوف في القصة القصيرة.


اكتبوا كما تشعرون، فمصر تحتاج للأصوات الأدبية المخلصة المبدعة، وهى أم الفن والمسرح والسينما والغناء والرواية والشعر والقصة القصيرة.


هلمَ نستعيد أمجادنا الإبداعية مرة ثانية، والشكر للإبداع العالمي، للشاعرة الأمريكية، لويز غليك، التي قد تدفعنا للتنقيب من جديد في مآثرنا وألوان إبداعنا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط