الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد شيخو يكتب: العلمانية والإسلام السياسي في تركيا (1)

صدى البلد

مع تزايد تدخل السلطة التركية الحالية في المنطقة والعالم واستخدامها المرتزقة الإرهابيين، ومع التركيز عليها وعلى تصرفاتها وسلوكها كتهديد للأمن القومي المنطقة وعلى كل الشعوب والدول في المنطقة . يتساءل البعض، هل حقًا حزب العدالة والتنمية (AKP) الذي يشكل الحكومة الحالية مع الحركة التركية القومية (MHP) هو حزب يعتمد على القيم الإسلامية وأخلاقياتها العالية، أم أنه حزب قوموي تركي بلبوث إسلامي يستخدم ويستغل الإسلام والمسلمين؟ .  

كيف وصل الإسلام السياسي(السلطوي) إلى الحكم في دولة تشكلت على العلمانية والنمطية والمركزية الشديدة والقوموية الفاشية  ودولة لها وظائف محورية في المنطقة من قبل القوى المركزية في النظام العالمي الليبرالي المهيمن؟. كيف يمكننا أن نفهم الانتقال من العلمانية إلى الإسلاموية ؟ هل يختلف رؤية هذين التيارين أو الاتجاهين إلى القضايا الرئيسة في تركيا والإقليم. وأيهما أخطر على السلم والأمن في المنطقة والعالم. هل لدى الشعب التركي خيارات أخرى غير هذين الاتجاهين. لعلنا لو استعرضنا مسيرة وتفاصيل ودققنا قليلًا في كيفية تشكل الاثنين وكذلك أهمية تركيا للنظام العالمي سنفهم ماهية العدالة والتنمية ومجمل الإسلام السياسي وكذلك العلمانية في تركيا حتى نستطيع بناء تصورات ورؤية صحيحة حول السلطة التركية وسلوكها.

 

 تمثل العلمانية التي سعى مصطفى كمال لها خصخصة العامل الديني وإقصاء جميع الرموز والسلطات والمنظمات الدينية من الحياة العامة واستنباط القوى السياسية من المبادئ الأخلاقية الدنيوية. وتضييق ساحة التأثير الديني.

وكان مصطفى كمال ينظر إلى الميراث العثماني الثقافي كتخلف أكل عليه الدهر وشرب وعبء وسبب للهزيمة والانقسام،  يتوجب تجاوزه والالتحاق بركب الحضارة الغربية ونهج الحياة المعاصرة لذلك ألغى الخلافة وكذلك فتواها التي كانت مطلوبة في كل خطوة للدولة العثمانية، حيث إنه رد على الذين يربطون بين الدين والدولة بقوله حكومة الجمعية الوطنية التركية  هي حكومة قومية ومادية تؤمن بالواقع وليست حكومة تريد الانتحار أو جر الأمة في مستنقع السعي وراء نظريات لا طائل من ورائها.

 وتم انتزاع عنصر الدين من جميع المدارس وأصبح التعليم علمانيًا إجباريًا، لا يعتمد المرجعية الدينية. وتم إلغاء المحاكم الدينية (الإسلامية والمسيحية واليهودية) وأنشأت محاكم علمانية اعتمدت على نماذج أوروبا الغربية.

وكان هناك قانون منع تعدد الزوجات وأعتمد العطلة الاسبوعية يوم الأحد وفرض اللباس الغربي واستبدال الخط العربي بالاتيني وتغير العاصمة من اسطنبول إلى أنقرة عن قصد. واستنفر جميع أجهزة الدولة لتنفيذ الإصلاحات الكمالية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري( الذي تشكل في بداية تشكل تركيا الحالية) والصحافة والإعلام. 


ونص دستور عام 1931 مبدأ" اللائكية" التي تعرف بان لايكون للدولة دور في الحياة الدينية باعتبار الدين مسألة ضمير. وأن القوانين والتشريعات يجب إعدادها بما يتناغم مع العلم والتكنولوجيا في العصر الحديث.

في حرب الاستقلال (1919_1922) وتحول الإمبراطورية العثمانية متعددة الأعراق إلى دولة قومية على النمط الأوربي تم  فرض صهر الدين في الدولة وعلى الرغم من مشاركة الكثير من الشعوب  والمذاهب منها العلويين والكرد في معارك الاستقلال للحصول على استقلال ذاتي وخصوصية حقة، إلا أن مصطفى كمال كان يعيش هاجس تعرض الأراضي المحررة في الأناضول إلى مزيد من التفكك بسبب العرق والدين، وكذلك دور المؤئر لليهود عبر تنظيم الاتحاد والترقي لخلق دولة نمطية ذو قومية مسيطرة واحدة لتمهيد قيام إسرائيل. وتقسيم المنطقة إلى دول قومية تابعة وفي حالة حرب  وعداء مع شعوبها .   ويقول الكاتب البريطاني برنارد لويس أن مؤسس تركيا كان متأثرًا بنسبة ما بالثورة البلشفية عام 1917م في أهمية الدولة القومية وكونها طريق الخلاص والتقدم والازدهار.

 وكان أتاتورك يرى أنه يجب التخلي عن الإرث العثماني وتشكيل دولة قومية علمانية ودولانية. وشدد على التركيز في تحقيق التجانس وعدم الأعتراف بالشعوب الأخرى وحتى تخلى هو ومن جاوره وولاه  من الاتحاديين عن كل الأتفاقيات مع الكرد والوعود أثناء حرب الاستقلال الذي أعطاهم للكرد بان تكون الدولة للشعبين وليس لشعب واحد.

لاتعني العلمانية في تركيا الفصل بين الدين والدولة بل أنها كانت مثل النموذج الفرنسي وهو إخضاع الدين لسلطة الدولة ومؤسساتها.

تَواجدَ في تركيا الحديثة ولأسباب عديدة  طرق صوفية قوية و وكان لها أتباع بعشرات الآلاف، وأبرزها القادرية والطريقة النقشبندية، التي كان الرئيس تورغوت أوزال من أحد أتباعها

و على الأغلب تم التمهيد للإسلام السياسي في تركيا من قبل النظام العالمي بعد دخول الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان عام 1979  وبعد إسقاط الشاه في إيران عام 1979م.

ولدت الحركة الإسلامية التي قادها نجم الدين أربكان من رحم الطريقة الصوفية النقشبندية. وفي الثمانينات انضمت لحزب الطريق الأم الذي يقوده تورغوت أوزال.

وشهدت فترة أوزال في الثمانينات فرصة لظهور تعبيرات إسلامية مختلفة، تراوحت بين الطريقة الصوفية ممثلة في النقشبندية و ومن ثم حركة الخدمة لفتح الله غولان، الذي كان تلميذًا  للعلامة الكردي بديع الزمان سعيد النورسي(1877_1960) ، والذي صعد بعد التمهيد لها بالتخلص من العلامة والشيخ سعيد النورسي وأخفاء أثره وأخذه من قبره  إلى جهة مجهولة يقال أنه رمي بالبحر  من قبل النظام الذي أتى بعد انقلاب 1960.

وقد شهدت هذه التعبيرات الإسلامية تحولات ونموًا ملحوظًا بعد أن خففت الدولة من قبضتها ورقابتها على النشاطات الأهلية والمدارس التعليمية والمؤسسات الخيرية.

وكذلك بدأت الدولة وكذلك التصورات الكمالية بمراجعة علاقة تركيا بإرثها الإسلامي منذ التسعينات وذلك لمتطلبات قوى الهيمنة والحوادث التي أعقبت سقوط الشاه.

 وللحديث بقية....