الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارادونا ونابولي .. رحيل بطل مدينة الجنوب الإيطالية

مارادونا في نابولي
مارادونا في نابولي

رحل عن عالمنا أسطورة كرة القدم، الأرجنتيني دييجو أرماندو مارادونا، عن عمر يناهز الستين عامًا.

مارادونا كان أحد أساطير كرة القدم إن لم يكن أفضل من لمس كرة القدم، ولكن تبقى قصته مع فريق نابولي قصة فريدة من نوعها.

يجب أن نعلم أن كرة القدم الإيطالية قبل قدوم مارادونا كانت شيئًا، وبعد قدومه صارت شيئًا آخر، بل فإن إيطاليا تغيرت بعد قدوم مارادونا.. جنوبها الذي كان فقيرًا وبلا إنجازات أو نجاحات صار مثل شمال البلاد.

بدأ مارادونا مسيرته مع نادي أرجنتينيوس جونيورز، ومن ثم انتقل لنادي بوكا جونيورز، ظهرت موهبته وأصبح أحد أفضل لاعبي العالم، ليجذب أنظار نادي برشلونة وينتقل لصفوف الفريق الكتالوني بعد بطولة كأس العالم 1982، مقابل 7.6 مليون دولار، في أغلى صفقة انتقال للاعب في ذلك الوقت.

ازداد تألق مارادونا مع برشلونة واستطاع الفوز بالبطولات المحلية الثلاث، لكنها كان يواجه عنصرية وتدخلات عنيفة من لاعبي الدوري الإسباني حتى تعرض لكسر في الكاحل بعد تدخل عنيف من مدافع نادي أتليتكو بيلباو أندوني ڤواكوتيكشا ، ليتغيب عن الملاعب لمدة 3 أشهر.

ويشاء القدر أن يلتقي برشلونة بأتليتكك بيلباو في نهائي كأس الملك، فواكوتيكشا لم يكف عن مضايقة مارادونا والتدخل عليه بشكل عنيف، لينفجر مارادونا في وجهه وفي وجه لاعبي الفريق الخصم، ووجه لاعبو أتليتك بيلباو جمهورهم لسب مارادونا والهتاف العنصري ضده.. انقلبت المباراة لحرب في الملعب أمام أعين 100 ألف متفرج وأمام ملك إسبانيا، أكثر من 60 شخصًا أصيبوا.. ليقرر برشلونة ومارادونا أن قصة ارتباطهما انتهت.

وفي إيطاليا، كانت الحياة تسير بشكل طبيعي، السيطرة للشمال ماديًا وكرويًا وفي كل شيء، وفي الجنوب كانت الفروقات صارخة بينهم وبين الشمال، وبالذات مدينة نابولي أكثر المدن إجرامًا وفقرًا وجوعًا.

لكن إداريي نابولي، فكروا في جلب مارادونا أغلى وأفضل لاعب في العالم، لا أحد يعلم من أين جاءت لهم تلك الفكرة، لكنهم أرادوا استغلال استحالة لعبه للبارسا مرة أخرى، تفاوضوا معه، ضخوا جميع أموال النادي والمدينة تقريبًا من أجل الظفر بخدماته، خصصوا أكثر من 10 ملايين دولار لضمه، وهو ما حدث بالفعل صيف عام 1984.

لم يصدق سكان ومشجعي مدينة نابولي فكرة التفاوض مع مارادونا من الأساس، كانوا يظنونها مجرد شائعات، حتى حل مارادونا عليهم في أحد القوارب التي رست في خليج المدينة، تم توقيع العقد على قارب مع إداري الفريق سيتيرز بيلر ومالك الأشغال العامة فيرلينو وأنطونيو جوليانو مدير الكرة.. مارادونا أصبح مرة أخرى أغلى لاعب في العالم وانتقل لناد غير معروف ليس غنيًا وليس له أي تاريخ يذكر.. انتقل ليصبح بطل مدينة بأكملها .

أثر قدوم مارادونا في بداية الأمر على اقتصاد المدينة سلبيًا حتى أنه بحسب بعض التقارير الصحفية فإنالمدينة لم تمتلك ثمن الوقود الكافي لتسيير المركبات والحافلات العامة لنقل الناس لأشغالهم، لكن كل ذلك سيتغير.

احتشد أكثر من 70 ألفا في ملعب سان باولو أثناء تقديم مارادونا كلاعب لنابولي، تغيرت المدينة بعد ذلك، أصبحت نابولي تقريبًا مزارًا سياحيًا، ارتفعت مبيعات فريق الجنوب، أصبح الاستاد ممتلئًا عن بكرة أبيه فقط لمشاهدة مارادونا، لم يحقق الفريق نجاحًا في أول مواسم مارادونا ، وكذلك في العام الذي يليه، كان الفريق يبني سلالم مجده درجة بدرجة، حتى أصبح الحلم حقيقة.

توج نادي نابولي بلقب الدوري للمرة الأولى في تاريخه موسم 1986-1987، وللمرة الأولى في تاريخ الجنوب الإيطالي، يمكننا أن نصنف لحظة تتويجهم بالدوري اللحظة الأفضل في القرن العشرين بالنسبة للكرة الإيطالية، فخريطة كرة القدم تغيرت، مارادونا وبمساعدة مجموعة من اللاعبين المغمورين حققوا المعجزة.

ازدادت قوة نابولي، وازدادت قوتهم الشرائية، خسروا لقب موسم 1987-1988 في آخر الجولات لصالح ميلان، ثم الموسم الذي يليه لصالح إنتر، لكنهم عادوا في موسم 1989-1990 ليتوجوا بلقب الدوري للمرة الثانية، نابولي أصبح أقوى فريق إيطالي واستطاع التغلب على سطوة يوفنتوس وإنتر وميلان.

الأمر لم يتوقف عن ذلك الحد، نابولي توج ببطولة كأس الإتحاد الأوروبي عام 1989، ودعونا لا ننسى أنه توج ببطولة كأس إيطاليا عام 1987، أصبح نابولي من أقوى فرق العالم، لكن مارادونا كانت بطولة كأس العالم 1990 بمثابة النهاية لمشواره مع نابولي، أقصى إيطاليا في نصف النهائي وعلى ملعب سان باولو، احتفل بشكل هستيري أمام من كانوا يهتفون باسمه، ثم تم إيقافه عن لعب كرة القدم بعد ثبوت تعاطيه للمخدرات.. انتهت قصة مارادونا الجميلة مع نابولي ليغادر عام 1991 لصفوف نادي إشبيلية.

قصة نابولي الجميلة كانت قد انتهت أيضًا برحيل مارادونا، أكبر إنجازاتهم كانت الحصول على المركز الرابع، تراجعت النتائج وتدهور أداء الفريق حتى هبطوا لدوري الدرجة الثانية عام 1998 ومن ثم العودة والهبوط مرة أخرى، قبل أن يستقروا في دوري الأضواء والشهرة لكن دون أن يحققوا مثل ما فعله مارادونا مع الفريق.

رحل مارادونا واكتست مدينة نابولي بالأسود لفراقه، فمات بطلهم ورحل عن ذلك العالم.