أكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أن انتشارَ ظاهرةِ الفساد يعودُ في جانبٍ كبيرٍ منه إلى النفس البشرية ومدى تمسكها أو تخليها عن دينها ومرجعيتها الأخلاقية؛ فكلما ضعُفَ ذلك الارتباطُ زادت فُرص انتشارِ الفساد.
وأضاف مفتي الجمهورية، خلال الندوة التي استضافهاقصر ثقافة دمنهوربعنوان "معًا ضد الفساد"،أن الفساد يحتاج إلى بيئة غير أخلاقية ينتشرُ فيها الكذب والنفاق والرياء والخيانة، وإلى نفسٍ خاويةٍ من الإيمان، لا تعرِفُ معروفًا ولا تُنكر منكرًا، ولذلك عُني الإسلامُ في المقام الأول باستهداف تلك النفس البشرية، وبتقوية دور الرقابة الذاتية والتعويل عليها قبل الاعتمادِ على أي نوعٍ آخر من أنواع الرقابة.
وأوضح علام، أن كلَّ إنسانٍ في الإسلام يجبُ أن يكون رقيبًا على نفسه، وأن يزن أعماله في الدنيا قبل أن تُوزَن عليه يوم القيامة، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المبدأ عمليًّا لأمته في كثيرٍ من المواقف؛ من بينها ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم عندما كان يتفقد جيشه فوجد جنديًّا خارجًا عن الصف؛ فوكزه صلى الله عليه وسلم ليستقيمَ في الصف؛ فلما رأى صلى الله عليه وسلم تألُّمَ الجنديِّ كشف بطنه الشريفةَ وطلب من الجندي أن يقتصَّ منه.
وأكد فضيلته، أن فلسفةَ الإسلامِ في مكافحة ظاهرة الفساد - وأيِّ ظاهرةٍ عمومًا- تعتمدُ على علاج الأسباب المؤدية للظاهرة، لا الانشغالُ بالمظاهر والتداعيات، ولذلك سعت الشريعة بدايةً إلى تعزيز الرقابة الذاتية وتزكية النفس والروح، وتنمية الوازع الديني، ووضع الإنسان أمام مسئوليته الفردية كما قال صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما مشبَّهاتٌ لا يعلمها كثيرٌ من الناس؛ فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشُّبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه؛ ألا وإن لكل مَلِكٍ حِمًى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه؛ ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب».
وأضاف أن الإسلامَ بعد أن يُقيمَ الحجةَ على النفس ويضعها أمام مسئوليتها تتوالى الأوامر الإلهية بالإصلاح ودفع الفساد؛ بل والأخذ على يد المفسد حتى يتوقف عن فساده؛ فيقول تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، ويقول أيضًا: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، ويقول عز مِن قائل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
ولفت فضيلة المفتي، إلى أنه مِن بين معالجات الإسلام لاجتثاثِ أسبابِ ظاهرة الفساد من جذورها أيضًا ترسيخُ العدالةِ الاجتماعية وجعلها مقصدًا أعلى للدين، فهي من مقاصد الدين العليا بحسب فقهاء سبقوا عصورهم؛ وذلك لأنها صمامُ أمانِ المجتمعِ من حيث هي إعطاءُ كلِّ فردٍ ما يستحقه وتوزيعُ المنافع المادية في المجتمع وتوفيرٌ متساوٍ للاحتياجات الأساسية، كما أنها تعني المساواة في الفرص؛ أي أن كلَّ فردٍ لديه الفرصةُ في الصعود الاجتماعي.
وثمَّن مفتي الجمهورية، جهودَ الدولة ومؤسساتها الرقابية والتنفيذية التي تسعى بكامل طاقتها إلى تحقيق تلك العدالة الاجتماعية في سبيل مكافحة الفساد، وقد اتخذت العديد من القرارات الجسورة التي من شأنها تحقيق قدرٍ أكبر من التوزيع العادل للمنافع والثروات.
كما أوضح أن الإسلام وضع قواعدَ وأسسًا للعدالة الاجتماعية ووسائلَ لتحقيقها ووضع السياسات والتشريعات العادلة التي ينضبط بها أمرُ المال بعيدًا عن تخدير المشاعر أو دعوة الناس إلى التخلي عن حقوقهم.
وأضاف أن الإسلام حارب الفقرَ كونه سببًا أساسيًّا للفساد، وعاملًا مهمًّا من عوامل انتشاره؛ ومن ثَمَّ أولى الإسلامُ قضيةَ القضاء على الفقر من جذوره عنايةً كبيرةً،كما حث الإسلامُ على العمل وطلب الرزق في محاولةٍ لعلاج مشكلة الفقر بطريقة تنموية، مشيرًا إلى أن الزكاة تأتي كأحد أهم الوسائل الفعالة التي واجه بها الإسلامُ الفقرَ وما يترتب عليه من نشرٍ للفساد.
وأوضح أن دار الإفتاء المصرية حملت لواءَ بناء الوازع الديني ضد الفساد بكافة أشكاله، وذلك بما أصدرته من فتاوى في هذا الأمر؛ وذلك في سياق قيامها برسالتها المتمثلة في بيان الأحكام الشرعية في إطارٍ من الانضباط المؤسسيِّ الواعي بتحقيق مصالح الخلق في ظل مقاصدِ الشريعة، ولم تترك دارُ الإفتاءِ المصريةُ فرصةً لمحاربة الفساد والتنبيه على مظاهره وأخطاره إلا وقامت باستثمارها؛ فأصدرت في هذا السياق فتاوى تبين حرمةَ الاعتداء على المال العام، وحرمة التعدي على الملكية الشائعة واستغلال الطرقات العامة وأراضي الدولة، وأصدرت فتاواها عن حرمة دفع الرشوة، وتحريم الاحتكار، وغير ذلك كثير.
وأكد أن ذلكَ يأتي من منطلقِ الوعي بأن الفسادَ يبقى في النهاية؛ برغم كل تجلياته الاجتماعية؛ ظاهرةً ترتكز في الأساس على الفرد بحسبانه مادةَ الحركة الأولى لهذه الظاهرة… وليس ثمة أقدرُ من الدين على التعامل مع الفرد وتنميته إيمانيًّا وصُنع سياجٍ داخل قلبه يقيه شرَّ الوقوع في هذه الممارسات البغيضة.
كان اللواء هشام آمنة محافظ البحيرة، شهد الندوة التي تم تنظيمها اليوم بعنوان "معًا ضد الفساد" بقصر ثقافة دمنهور في إطار الإحتفال باليوم العالمي لمكافحة للفساد بحضور الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية والدكتور عبيد صالح رئيس جامعة دمنهور و اللواء علاء الصباغ رئيس فرع هيئة الرقابة الإدارية بالبحيرة.
وأكد المحافظ خلال كلمته أن الإحتفال باليوم العالمى لمكافحة الفساد هو اليوم الذى قررته منظمة الأمم المتحدة لتقف فيه كل دولة أمام مرآة حقيقتها وتزن بميزان الشفافية والانصاف معدل احترامها لشعبها ولنفسها و ان الدولة العظيمة بحق المؤمنة بصدق هى التي تجعل من ذاتها رقيبا يوميا وضميرا يقظا لا يغفل ولا ينام.
وأشار محافظ البحيرة، إلى أن المعلم والقائد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية خير من يضرب به المثل فى بث قيم الانضباط الإداري والأخلاقي والحرص على مكافحة الفساد بمعناه الأشمل والأوسع فلا ينحصر على شكل دون آخر بل انه لا يسمح أن يدخل الى ميادين العمل الإداري فاسد أو منحرف أو متطرف ولا يهادن او يبقى بين أجنحة الدولة إلا كل ساع لصالح الوطن وطامح لعلياء مصر وقدمها.
من جانبه أكد اللواء علاء الصباغ رئيس فرع هيئة الرقابة الادارية بالبحيرة، خلال كلمته سبب اختيار ٩ ديسمبر يوم عالمى لمكافحة الفساد حيث وقعت فيه الاتفاقية فى ٢٠٠٣ وانضمت لها ١٩٣ دولة مشيرا الى ان هناك ايضا الاتفاقيه العربية لمكافحة الفساد.
وعرض الصباغ، فيلم تسجيلي في بداية الندوة، لتوضيح دور هيئة الرقابة الإدارية فى مجال منع ومكافحة الفساد والآثار السلبية للفساد اجتماعيا واقتصادية ونفسيا وقانونيا، بالإضافة إلى أبرزت أهم الممارسات التى حققتها الاستراتيجية ومنها تطوير البنية التشريعة وزيادة الوعى المجتمعى بأهمية الوقاية من الفساد ومكافحته من خلال التعامل بمنتهى الشفافية والحوكمة وعمل ضوابط وقواعد بيانات تتيح للدولة المتابعة المستمرة اليكترونيا الامر الذى اسهم بشكل كبير فى القضاء على صور الفساد للوصول إلى العد.
اقرأ أيضا:- محافظة البحيرة تكثف حملات النظافة وصيانة الأعمدة في نطاق 4 مراكز