الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنا ورئيس العمليات «1»


بين الفينة والأخرى، أحن، شأني شأن المصريين جميعا، إلى مرحلة التجنيد، وتأخذني الذاكرة لأتسامر مع أصدقائي في السرية وزملائي في الوحدة وأقراني في اللواء، أعود لأحمل السلاح وأنا أقف خدمة ملتزما التزاما صارما بالتعليمات بضرورة اليقظة الهائلة والحرص كل الحرص من أن يقترب شخص من مكان خدمتي، كان أثناء ذلك يمر علينا الضباط لكي يتأكدوا من أداء العمل على أكمل وجه، ولم أكن أسمح لأي من الضباط، حتى على معرفتي له، إلا أن يذكر كلمة السر، وساعتها أسمح له بالاقتراب، كان هذا الالتزام من جانبي، والذي كان يشاركني فيه بالطبع زملائي، مضرب مثل في الكتيبة.

أعود بين الفينة والأخرى لتلك الشهور التي قضَّيْت فيها الخدمة العسكرية لتأمل وجوه الزملاء وضباط الصف وأصحاب الدرجات المختلفة، وأتأمل كذلك الضباط والقادة، وتلك المواقف التي جمعتني بالنماذج المختلفة منهم، وكيف استفدت استفادة هائلة من هذه الشهور، وكم الخبرات التي تراكم، إضافة للالتزام الصارم الذي خضعنا له فاستقر في شخصيتنا.

هناك شخصية تركت أثرا كبيرا في نفسي، شاءت الأقدار أن تنتقل هذه الشخصية إلى الوحدة التي كان قد تم ترحيلي لها في نفس وقت وصوله تقريبا،  وبمجرد أن وصلت للوحدة تم توزيع لأكون أحد أفراد سرية "الرياسة" تلك التي كان يرأسها "ضابط شرف"، وانخرطت في السرية مع زملائي، وكان بها أحد زملائي في قسم اللغة العربية وآداب بكلية الآداب جامعة المنصورة والذي كان قد تم تجنيده قبلي بدفعة، ولقد أحسن استقبالي بعدما تعرف عليّ بصعوبة، حيث كنت قبل التجنيد صاحب شعر طويل ملفت، فتغيّر وتبدّل شكلي على الزميل وأنا حليق الشعر التزاما بالتقاليد العسكرية المصرية.

مجرد أن تسلم الوافد الجديد مهام عمله كرئيس للعمليات في الوحدة؛ كان لابد أن يطمئن على سير العمل في مكتب العمليات الذي كان الجندي المسؤول فيه على وشك الانتهاء من الخدمة العسكرية فكان لابد أن يقوم بتدريب زميل جديد ذي مواصفات خاصة ليقوم بعمل ذهني مركز فاتجهت الأعين للقادمين الجدد لكي يتم تدريب من تتوفر فيه تلك الصفات المطلوبة لمثل هذا العمل، وبعد اختبارات تنافستُ فيها مع عدد من الزملاء من خريجي الجامعة اختارني لأقوم بأعمال مكتب رئيس العمليات الجديد الرائد، آنذاك، جمال محمد إسماعيل، هذا الاسم الذي سيلازمني، ليس فقط في مرحلة التجنيد، بل طوال رحلة حياتي حتى اللحظة.

انخرطت في عمل مكتب العمليات، وكان لابد أن أتفوق، فجلست ساعات طوال على المكتب أدرب نفسي على المهام التي سأقوم بها، هذا الذي كان يأخذ طوال النهار وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم الجديد، وكنت في عملية المذاكرة والتدريب هذه على تواصل مع رئيس العمليات طوال الوقت، الذي كان قد طلب مني أن أحفظ كل تفصيلة في المكتب وعمله وكل شيء يمكن أن يصبح مهمة مستقبلية، هذا الذي عملت عليه وبرعت فيه لدرجة ملفتة، هذا الذي، نظرا لتواصلي مع اللواء التابعة له وحدتنا، جعل مكتب عمليات اللواء يطلبني بصفة شخصية لأكون أحد أفراده، وهنا طلبني رئيس عمليات الوحدة ليسألني: هل هناك من تحدث معي من اللواء لكي أنتقل إليه؟ وهل هناك علاقة تربطني بأحد هناك؟ هذا الذي نفيته وأكدت لسيادته أنني لا أعرف هناك، من خلال العمل، إلا الضابط المسؤول عن مكتب العمليات، الذي لم يحدثني في ذلك، وهنا سألني القائد سؤالا مباشرا: هل تريد الانتقال إلى اللواء أم البقاء معنا؟ فكانت إجابتي: أنا عسكري يا فندم، وأي مكان يتم وضعي فيه ستكون فيه مهمتي، وليس لي من اختيار. 

لمحت ابتسامة تحاول مجتهدة، ولكنها فشلت، أن ترتسم على شفا الرجل، الذي بادر: لو افترضنا أن لك الحق في الاختيار .. هل تريد الانتقال إلى اللواء أم تستمر هنا في الوحدة؟. فجاءت إجابتي أتمنى أن أستمر مع حضرتك. انتهى اللقاء وأذن لي بالانصراف وبقيت في مكتب عمليات الوحدة.

يتبع!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط