الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هبة عثمان تكتب: الخط الأحمر الجديد وتعنت إثيوبيا

صدى البلد


اعتاد المصريون فى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي على الواقعية والمباشرة والإلتزام بها.. ليس المصريون فقط من اعتادوا دقة ومصداقية تصريحات الرئيس المصري، ولكن لن أبالغ عندما أقول أن دول العالم أجمع أصبحت تعلم جيدا أن تصريحات وقرارات الرئيس السيسي لم ولن تكن قط مجرد تصريحات ارتجالية من دون إلتزام حقيقي من قبل الدولة المصرية لتدخل حيز التنفيذ.
فعندما أعلن الرئيس السيسي في 20 يونيو من العام الماضى بأن خط سرت الجفرة في ليبيا خط أحمر لأمن مصر القومي على الإتجاه الغربي لحدودها، لم يتجرأ كائنا من كان على هذا الكوكب أن يحاول تجاوز هذا الخط مهما كانت أطماعه رغم ما تشمله هذه المنطقة من أهمية اقتصادية وسياسية حيوية، وإلتزمت جميع الأطراف في الصراع على احترام خط وهمي وضعته مصر.. وتعلم جيدا هي والجميع أنها قادرة على تنفيذ إنذارها للحفاظ على أمنها وأمن المنطقة.

في عملية إتخاذ القرارات تعمل دوائر صنع القرار على دراسة القرار وحصر الامكانيات المتاحة لتنفيذه بل واستكمال كل الامكانيات غير المتاحة لتنفيذ القرار، ودراسة كيفية تنفيذه، بل وحتى الأشخاص المقرر تكليفهم بتنفيذ المهام المفترضة لاتمامها، ووضع سيناريوهات متعددة ومختلفة لكل المعوقات والتحديات التي قد تطرأ لعرقلة اتمام تنفيذ القرار وإيجاد حلول لها جميعا.. كل هذه المراحل تسبق اتخاذ القرار الذي يدخل حيز التنفيذ بعد الإعلان عنه.
لذا فإن الجميع يعلم جيدا أن ما صرح به الرئيس المصري خلال المؤتمر الصحفي العالمي الذي أقيم يوم الثلاثاء 30 من مارس من هيئة قناة السويس، بعد عودة حركة الملاحة فيها.. أنها ليست مجرد تصريحات ارتجالية ولكنها قرارات مدروسة بعناية شديدة.
حيث صرح الرئيس السيسي تصريحات خطيرة تخص حصة مصر من مياة نهرالنيل قائلا : "إنه خلال الأسابيع المقبلة سيكون هناك  تحرك إضافى في أزمة السد الإثيوبي، متمنيًا الوصول لاتفاق قانوني ملزم بشان ملء وتشغيل السد، مؤكدًا أن مصر في معركة تفاوض، والرأي العام العالمي يرى أن مصر جادة في التفاوض بشكل يحقق الكسب للجميع.
وشدد الرئيس على أن ما تطلبه مصر أمر لا يخرج عن القوانين والمعايير الدولية المعمول بها في التعامل مع هذه الإجراءات والمياه العابرة للحدود.
كما أكد السيسي أنه لا أحد يستطيع الحصول على نقطة مياه من مصر: «حديثي ليس تهديدا، محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر وإلا هيبقى في حالة من عدم استقرار في المنطقة»، مشددا على أن «مياه مصر لا مساس بها، والمساس بها خط أحمر .. وهيبقى رد فعلنا فى حالة ذلك قد يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل".
ومن أبرز ردود الأفعال على تصريحات السيسي بشأن سد النهضة انه قد أعلنت كلا من السعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن وسلطنة عمان تضامنهم مع مصر فى إجراءاتها للحفاظ على أمنها المائي.

قبل هذا المشهد بأيام بالتحديد يوم 28 مارس التقى الدكتور محمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والرى بالسفير دونالد بوث المبعوث الأمريكى للسودان، والمبعوثة الأوروبية مارينا فرايلا مبعوث الاتحاد الأوروبى للتباحث حول الموقف الراهن لمفاوضات سد النهضة الإثيوبى، حيث أكد على رغبة مصر الواضحة فى استكمال المفاوضات، ودعم مصر الكامل للمقترح السوداني والداعي لتشكيل رباعية دولية وهم (الإتحاد الأفريقي- الإتحاد الأوروبي- الولايات المتحدة الأمريكية- الأمم المتحدة).
وهذا ما اعترضت عليه إثيوبيا حين أعلنت الخارجية الإثيوبية في 9 مارس رفضها توسيط أي طرف، وتمسكها بوساطة الإتحاد الأفريقي فقط.
جاء هذا بعد أن أعلن الرئيس المصري خلال زيارته الأخيرة للخرطوم في 6 مارس رفضه سياسة الأمر الواقع والإجراءات الأحادية التي تسعى لها إثيوبيا مع التأكيد على موافقة مصر على المقترح السوداني.

إن رفض اثيوبيا للوساطة الدولية يأتي من علمها يقينا بأن موقفها أمام المجتمع الدولي ضعيف، فقد انتصرت مصر في عرض موقفها الدفاعي عن حقها المائي في حصتها من مياة نهر النيل كدولة مصب في ظل شح مائي تعاني منه مصر، مقابل وفرة مائية في اثيوبيا مع تعنت على قرار احادي من شأنه الاضرار بدول المصب.

 وأخيرا وبعد ساعات من رسم الرئيس المصري للخط الأحمر الجديد على نهر النيل يخرج المتحدث باسم الخارجية الإثيوبي "دينا مفتي" في مؤتمر صحفي ليستكمل مسلسل التعنت الإثيوبي ويصرح بأنه قد أبلغ السفيردونالد بوث المبعوث الأمريكي خلال جولته، بأننا ماضون في عملية الملء الثاني لسد النهضة في يوليو المقبل، وإنهاء جزء من عملية البناء.

فإذا يظل لمصر خيارين: 

-إما اللجوء لمجلس الأمن وهذا الحل من المؤكد أن تأتي قراراته مؤيدة لموقف مصروالسودان  بنسبة 100٪ ليتحمل المجتمع الدولية مسؤليته تجاه الموقف بالنظر إلى الأخطار الجسيمة التي تتهددها جراء ملء وتشغيل هذا السد.

وإما الخيار الأخير الذي لا يتمناه أي من الأطراف وهو اللجوء للحل الأصعب، فقد استنفذت دول المصب كل الحلول السلمية دون التوصل إلى اتفاق ملزم للجانب الإثيوبي. وبذلك فقد تكون مصر بهذا أول دولة في العصر الحديث تلجأ لدخول حرب تقليدية للدفاع عن أمنها المائي.
وهذا مالا تتمناه القيادة السياسية المصرية ولا الشعب المصري، ولكن إن فرضت علينا فنحن لها.