الحرام والحرام

الأخ عبدالرحمن البر، مفتى جماعة الإخوان، صاحب العديد من الفتاوى الغريبة، الطامع فى مقعد شيخ الأزهر، أصدر فتوى بتحريم تهنئة الأقباط بـ«عيد القيامة المجيد»، ولأننى لم أفهم سبب التحريم، إذ الحلال بيّن والحرام بيّن، فقد راجعتُ ما تعلمته فى كتب الفقه عن الإباحة والحرام، فوجدت أن أول شىء يدرّسونه لصغار طلاب العلم هو «الأصل فى الأشياء الإباحة، ولا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح فى القرآن الكريم أو الحديث الشريف، لا يحتمل تأويلاً».
أخذت أقلّب أوراق الكتب وأضرب أخماساً فى أسداس، فأعيانى البحث، بحثت فى القرآن الكريم عن نص بتحريم هذه التهنئة فلم أعثر، تفرست السيرة النبوية فلم أجد، أبحرت فى الحديث الشريف فلم أرسُ على بر، ويح رأيك يا أخ عبدالرحمن البر.
تريث يا أخ عبدالرحمن، لا تنفعل، ولا تجعل الدم يغلى فى عروقك فإنك تعرف (والكاظمين الغيظ) وسأجاريك ظاهراً أمام القراء وأوافقك على فهمك للآية الكريمة (إن الحكم إلا لله)، إذ طالما أنك تفهمها على أنه ليس لنا أن نشرع لأنفسنا أى أمر من أمور الدنيا من دون الله، فكيف بالله عليك تجيز لنفسك أن تباشر حق التحريم- وهو من أمور الدين- من دون الله؟! هذا لعمرى شىء عجيب!!
أكاد يا شيخ الإخوان وفقيههم أسمع رجع صدى صوتك آتياً من سنين بعيدة، وأنت تلقى درساً تقول فيه وقد احمرت وجنتاك: «ليس لإنسان مهما علا شأنه مباشرة حق التحريم من دون نص، وإلا أصبح مفترياً على الله، ومعتدياً على حقوقه»، ثم أخذتك الحمية وقرأت من القرآن: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب).
وحين اهتزت أحبالك الصوتية وأنت تتلو الآية القرآنية: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، قلت فى نفسى: هذا رجل من الفقهاء يجب أن يتوسد مكانته بين أقرانه.
وكانت الثالثة- والثالثة ثابتة كما يقولون- حينما وصل بك الانفعال مبلغه فقرأت من كتاب الله: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وانفعلتَ يا عبدالرحمن وأنت تتهم كل من يحرم بغير نص أنه ينصّب نفسه شريكاً لله، ووقع انفعالك فى قلبى موقعاً طيباً، هذا هو الفقه.
ولكن عبدالرحمن البر رجل الأمس غير عبدالرحمن البر رجل الحكم، فللكرسى رونقه وللحكم تجهماته وقسوته، ويا لتقلبات الرجال وهم يحثون الخطى ناحية مشيخة الأزهر، إذ يُباح لهم اتباع كل الوسائل للوصول والتمكين، بما فيها إعطاء فتاوى دينية غريبة عبارة عن جرعات صغيرة فى قنينة الفتوى، إذا تناولناها ظهرت علينا أعراض التسميم الفكرى! لذلك وقف عبدالرحمن البر رجل اليوم يناقض رجل الأمس ويقول بالتحريم قياساً، وليت قياسه صحيح، بل إنه فاسد، فهو يحرم التهنئة لأن المُهنئ يتشبه بالمسيحيين فى عبادتهم، ونحن لا نؤمن بهذه العبادة، عظيم يا مولانا، ما علاقة التشبه بالتهنئة؟! أين وجه الشبه بينهما؟ الله أكبر على العلم والفقه والدراية، الذى يتشبه يا رجل هو الذى يمارس ذات العبادة، ويقلدها شبراً بشبر، والذى يهنئ هو ذلك الرجل المسلم الطيب الذى يطرق باب جاره المسيحى الطيب، ويقول له: كل عام وأنتم بخير وسعادة بمناسبة عيدكم، تماماً كما يفعل المسيحى الطيب الذى يطرق بابك يا أخ عبدالرحمن فى عيد الفطر أو عيد الأضحى ويقول لك: كل عام وأنت بخير يا عم الشيخ، فهل هو بذلك قد تشبه بك، وصلى معك العيد، ثم ذبح «الخروف»؟!
وحتى إذا جاء لك الأخ المسيحى ووقف ينتظرك فى المسجد حتى تنتهى من صلاتك فيسارع إلى تهنئتك فهل هو بذلك يكون قد تشبه بك؟!
أخذت أبحث عن أسباب أخرى للتحريم فوجدت هيئة الأخ خيرت الشاطر التى هيأوها وأطلقوا عليها «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» تصدر فتوى بالتحريم القاطع، لماذا يا هيئة؟ قالت: «الأصل فى الأعيـاد الدينية أنهـا من خصوصيات كل ملَّةٍ ونحلةٍ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قوم عيداً)، متفق عليه، ولذلك فلا يحل لنا مشاركتهم ولا تهنئتهم فى هذه المناسبات الدينية»، التهنئة حرام، لماذا؟ قياساً على أن لكل قوم عيداً! هل هذا نص يُحرّم يا هيئة؟ أين النص؟!
تقول الهيئة لى ولك: انتظر، انتظـَـرْنا، خذ هذه، هات: تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية حرام قطعاً ويقيناً، لماذا؟ لأن فيها إقراراً بشعائرهم التى لا نؤمن بها، يا سلاااام ! أنتِ يا هيئة تـُحَرِّمين بالقياس إذن، والقياس من منبته فاسد، إذ لا يوجد عندك نص، ولكن ظن، وقع فى ظنك المسكين أننى عندما أبادر أخى المواطن المسيحى بالتهنئة فإننى أكون قد آمنت بعبادته، هذا شىء عظيم، وبذلك يكون كل المسيحيين الذين هنأونا بأعيادنا قد أسلموا، ويصبح كل من هنأ المسيحيين قد تنصر، وبالتالى سأتقدم يا شيخ عبدالرحمن البر بطلب للأزهر الشريف بإلغاء كل ما يتعلق بتعريف الإيمان، إذ إن خطابكم الدينى الجديد تكفّل بالأمر، خطابكم هو «الحرام والحرام»، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
نقلا عن المصرى اليوم