الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

100 عام.. لماذا تخلفت الدول العربية؟


 

سؤال التخلف والتقدم، هو الشغل الشاغل لمختلف الدول العربية طوال المائة عام الماضية. بدءًا من المفكرين والمثقفين الذين حاولوا الإجابة عن هذا التساؤل والدفع بمبادرات ودراسات وروايات وكتب لزرع التقدم، وإزالة مظاهر التخلف في الدول العربية. وصولاً إلى بعض القادة والسياسيين والزعماء الذين خاضوا تجارب مهمة، لإعادة وضع بعض الدول العربية على قطار التقدم.
وقد تفجّر سؤال التخلف والتقدم، خلال القرنين التاسع عشر والقرن العشرين على وجه الخصوص، ففي هذين القرنين حققت معظم الدول الغربية معجزاتها الاقتصادية، وأصبحنا أمام معجزات انجليزية وفرنسية وألمانية وغيرها من المعجزات الأوروبية، ثم جاءت بعد ذلك المعجزة الأمريكية. ورغم ما مرت به دول أوروبا من بعض "أحداث مزلزلة" ومنها الحربين العالميتين، الأولى والثانية والذين اسفر عن سقوط ما بين 80- 100 مليون قتيل حيث تناحرت الدول الأوروبية فيما بينها دول المحور والحلفاء، لأسباب كثيرة، وتم دك العواصف والمدن، لكن رغم ذلك استطاعت الاقتصادات الأوروبية، النهوض من وسط الركام والدمار والدم والعودة، لاستكمال مسيرتها لتصبح كيانات اقتصادية ضخمة وتحقق معجزات يتحاكى بها العالم.
شىء من التناحر وقع عندنا في الدول العربية، وقامت صراعات ربما لم تكن بنفس الحدّة، ومثل خسائر الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكننا لم نحقق التقدم، ولم نستفيق من التخلف، ولم تستطع دول عربية وحتى بعدما تفجر النفط في ثلاثينيات القرن العشرين ان تحقق الاختراق وتتحول لكيان اقتصادي قوي ومؤثر عالميًا. ولا يزال التقدم عملة صعبة لم تعرف طريقها إلى الدول العربية.
وللإجابة على سؤال التخلف والتقدم في العالم العربي، يمكننا التوقف عند 10 أسباب شهيرة أعاقت انطلاق العالم العربي عن التقدم طوال 100 عام:-
** في مقدمة أسباب تخلف العالم العربي، الاستعمار الذي بقى رازحًا على صدر غالبية الدول العربية عقودًا طويلة. تم فيها نهب المقدرات، وانتهاك السيادة الوطنية للعديد من الدول، وزرع سلوكيات وطبائع منحطة من التعامل مع العدو إلى خلق عملاء، ومساعدة أجندات مخربة على أن تتوغل في الدول العربية، وكافحت حركات الاستقلال في العالم العربي سنوات طويلة، وجرت صدامات وتفجرت ثورات ضخمة حتى حصل العالم العربي على استقلاله دولة بعد أخرى حتى سبعينيات القرن الماضي.
** تزامن الاستعمار مع "النكبة الفلسطينية"، فلم يكد العالم العربي يتخيل أنه سيتخلص من آفة الاستعمار، حتى ظهر الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين العربية، ثم اتبع ذلك سلسلة حروب ضخمة عانت ولا تزال منها الدول العربية، التي وقعت بعض أراضيها تحت سيطرة الإسرائيليين لفترة.  ومنها ما استطاع استرداد كامل أرضه مثل مصر، بعد نصر 1973، ومنها ما لايزال يعاني مثل سوريا وفلسطين.
**تجذّر التخلف، وابتعد التقدم في الدول العربية على مدى 100 عام لأننا لم نعثر على نظام اقتصادي واحد يناسب ظروفنا. فلعقود ماضية تخبطت العديد من الدول العربية تحت ما يسمى بالاقتصاد الاشتراكي وعندما ثبت فشله، اتجهت بعد ذلك إلى اقتصاد السوق الحر، ولسنا كلنا كدول عربية على نظام اقتصادي واحد ولكن كل له سياسته. ووسط هذا وذاك لم تكن هناك رؤية واضحة للتقدم ولكن محاولات للحياة والتخلص من الديون أو ضبط آداء بعض الاقتصادات.
** الفساد وهو آفة مزمنة داخل الاقتصادات العربية، وآفة الفساد استطاعت تدمير مقدرات عربية، وهناك محاولات  حثيثة من قبل بعض الدول العربية لوأد الفساد، مثل التي تبذلها مصر للتصدي للفساد، وحسب تقرير حديث منشور، فوفق تقرير لهيئة الرقابة الإدارية، تقدمت مصر 55 مركزا في مؤشر مكافحة الفساد عام 2020 وهناك استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد
** الأموال العربية المهاجرة للخارج والتي تقدر بنحو 600-800 مليار دولار، ووفق دراسة اقتصادية عام 2020 سيصل إجمالي هذه الأموال إلى نحو تريليوني دولار عام 2050 ، وهى واحدة من "المدهشات" العربية، إن صح الوصف فالأموال العربية تقوم باستثمارات مهولة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرهما ولا تفعل الشىء نفسه في دولها!
** تحول الدول العربية إلى مطمع قوى إمبراطورية غابرة، فبعد الاستعمار، وبعد الإسرائيليين ظهرت منذ عقدين دول إقليمية خطّت لنفسها مشاريع هيمنة واحتلال وانشاء ميليشيات داخل الدول العربية، وأصبح المشروع الإيراني وأصبح المشروع التركي، مشروعين متداخلين في العديد من الدول العربية، لتعطيل المسيرة والصحوة مرة ثانية. 
** الإرهاب وهو "أم المشاكل والمصائب"، التي ظهرت في العالم العربي على مدى عقود، ولا نزال نعاني منه. فلأسباب هيستيرية متطرفة وبأموال مشبوهة، وعبر أجهزة استخبارات عربية وغربية لها مشاريعها، تفجّر وحش الإرهاب داخل العديد من الدول العربية ليقتل الأبرياء والمدنيين، ويستهدف المدن والسياحة ويرتكب جرائم مروعة، وتظهر تنظيمات دينية متطرفة، لا علاقة لها بدين ولا حياة، تتبنى أفكارًا إجرامية، لم تعطل توجهًا عربيا نحو التقدم، ولكنها أعادت الشعوب العربية مئات السنوات للوراء، نتيجة فاتورة فادحة تكبدتها جراء الإرهاب.
** عدم الإيمان بالإبداع وحرية الصحافة، باعتبارها اليد الأولى للتقدم في الغرب، فنحن لن نخترع التقدم ولن نعيد إنتاج العجلة كما يقولون، ولو توقفنا أمام التجربة الألمانية او الانجليزية او الأمريكية او الفرنسية أو غيرها من تجارب التقدم العالمية الهائلة لعرفنا ببساطة كيف تقدموا، عندما تحرر الفكر وعندما أطلقت الحريات، وعندما عرف الجميع أن الحرية مسؤولية وليست فوضى، وأن الهم الأول والاخير هو مصلحة الوطن وليست خدمة "أجندة أجنبية"
** علاقتنا بالدين، فبعد أن اعتلى شيوخ جهلة ودعاة العنف، منابر المساجد وتبنوا خطاب ماضوي لا علاقة له بالحاضر، انقطع حبل العرب عن التقدم وأصبح العيش في الكثير من خزعبلات الماضي.
** تشرذم الدول لعربية وعدم قدرتها على التوحد في كيانات سياسية واقتصادية ضخمة مثل الاتحاد الأوروبي مثلا، لها كلمة واحدة ولها سياسات موحدة، ولا يمكن أن ننسى كيف أن دول الاتحاد الأوروبي عندما سقطت أو عانت بعض دوله مثل اليونان من شبح الإفلاس قبل عدة سنوات، تحت أزمة تزايد الدين الحكومي، كيف وقف الاتحاد الأوروبي وبعض الهيئات الاقتصادية الدولية مع اليونان حتى عادت ثانية وتم إنقاذها إلى حد كبير..
** أخرها الصناعة.. وأنا اعتقد انه طالما لم تتحرك الدول العربية نحو الصناعة، وتوطين صناعات دول متقدمة عندها، مثلما يحدث في مصر في الفترة الأخيرة، فإنها ستبقى أسيرة التخلف، فتوطين الصناعة يخلق فرص عمل ويُزيد الانتاج والدخل القومي ولا عجب ان يقال أن "المصنع" هو أساس النهضة الأوروبية. 
وختاما حديث التقدم والتخلف في العالم العربي، حديث ذو شجون وقصته طويلة وهذه وقفة بسيطة أمام بعض الرؤى والملامح.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط