الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمريكا تنسحب من المشهد في أفغانستان.. روسيا والصين وإيران يواجهون تداعيات عاصفة واشنطن ورائها.. وطالبان في طريقها للسيطرة على البلاد بالقوة

حسن روحاني وشي جين
حسن روحاني وشي جين بينج وفلاديمير بوتين

تستعد كل من روسيا والصين وإيران، لمواجهة تداعيات الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان، في وقت تحتدم فيه التوترات وتزداد فيه وتيرة العنف في خضم الحرب التي مزقت البلاد.
  
وذكر موقع "نيوزويك" الأمريكي، أن الدول الثلاث ذات النفوذ القوي في آسيا، تسعى لتعزيز الاستقرار في أفغانستان ومحيطها، والحفاظ على مصالحها في نفس الوقت، حيث تخضع العلاقات الطبية بين الدول الثلاث وكابول إلى الاختبار في ظل رغبتها في التعامل مع حركة طالبان التي بسطت سيطرتها على جزء كبير من البلاد.

- أفغانستان بين الاتحاد السوفييتي وروسيا

يقول الموقع الأمريكي الذي تواصل مع مسؤولين في روسيا وإيران والصين، إن موسكو تربطها تاريخ طويل بأفغانستان، حيث حاول الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات الدفاع عن الحكومة الشيوعية في كابول، لكنه اصطدم بقوات المقاومة الأفغانية المكونة من "مجاهدين" أجانب وأفغان، وحصل هؤلاء المقاتلون آنذاك على دعم باكستان، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية.

وأدى انهيار الحكومة التي قادت البلاد إلى حرب أهلية في التسعينيات إلى ولادة حركة طالبان وتوسعها في أنحاء أفغانستان، لتبسط سيطرتها على أغلب الأراضي الأفغانية، حتى جاء عام 2001 ووقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، والتي أدت إلى شن الولايات المتحدة حملة عسكرية داخل البلاد.

واختارت روسيا مع بداية الحرب الأهلية دعم التحالف الشمالي للقوات الأفغانية، ودعمت في البداية الحملة العسكرية الأمريكية التي استهدفت حركة طالبان وتنظيم القاعدة، لكن مع صعود الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة، انتقد الكرملين في كثير من الأحيان طريقة واشنطن في التعامل مع الصراع في أفغانستان.

وبالحديث عن اليوم، فإن روسيا تنتقد طريقة انسحاب الولايات المتحدة من المشهد في أفغانستان، في ظل إحراز حركة طالبان تقدم سريع على الأرض، تزامنا مع عدم إحراز تقدم في محادثات السلام بين الحركة والحكومة الشرعية في كابول.

- الوضع في البلاد يتدهور بسرعة

بهذه الكلمات وصفت السفارة الروسية لدى واشنطن الموقف في أفغانستان، لدى طلب موقع "نيوزويك" تعليق السفارة على تطورات الأحداث في كابول.

وأضافت السفارة: "نعزي تدهور الأوضاع في أفغانستان إلى انسحاب قوات الولايات المتحدة ودول حلف الناتو المتسرع من البلاد".

ولكن حتى في ظل الجهود الأمريكية التي بذلتها واشنطن خلال حربها في أفغانستان على مدار 20 عاما، فإن حركة طالبان تمكنت من استعادة مناطق هامة، حيث قالت السفارة الروسية: "الغرب لم يحقق أي نتائج ملموسة تجاه استقرار أفغانستان ومهمته فشلت هناك".

وتابعت السفارة: "انتقادنا للسياسة الأمريكية يهدف لتشجيع واشنطن على اتباع نهج شامل للتعامل مع القضايا في أفغانستان".

وتواصل روسيا الانخراط في تلك القضية دوليًا عبر مجموعة "الترويكا" الموسعة، والتي تضم الولايات المتحدة والصين وباكستان،حيث تتمتع الأخيرة بعلاقات قوية مع حركة طالبان.

وفي نقطة أخرى بالمنطقة، عززت روسيا علاقاتها بما يعرف بـ "الدول الخمس بآسيا الوسطى"، وهي كازاخستان، وقرجيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، وهي دول كانت تتبع الاتحاد السوفيتي سابقا.

وتحتفظ روسيا بقواعد عسكرية في قرجيزستان، وستجري من خلالها تدريبات جوية مشتركة الأسبوع المقبل مع أوزبكستان وطاجيكستان، التي تعد الحليف الروسي الوحيد على الحدود الأفغانية مباشرة.

وفيما يتعلق بتدهور الأوضاع في أفغانستان وازدياد نفوذ طالبان هناك، قالت السفارة الروسية لدى واشنطن "إننا نراقب عن كثب الوضع في المنطقة ونتخذ جميع الإجراءات اللازمة لتعزيز قدرة حلفائنا على منع التهديدات الخارجية ومكافحتها".

وجاءت التأكيدات في الوقت الذي رفض فيه مسؤولون روس فكرة وجود قواعد عسكرية أمريكية في منطقة أقامت روسيا قواعد عسكرية بها بالفعل.

وفي داخل أفغانستان ، قالت السفارة الروسية "إننا نجري اتصالات سياسية مكثفة مع الأطراف الأفغانية"، بما في ذلك استضافة وفود من الحكومة الأفغانية وطالبان  وإجراء محادثات منفصلة في وقت سابق من هذا الشهر في موسكو بشأن مستقبل أفغانستان والدور الروسي المحتمل هناك.

الصين وتاريخها مع أفغانستان

تمتلك الصين تاريخا أطول من روسيا مع أفغانستان، فمنذ قرون مضت، كانت العاصمة الأفغانية كابول مركزا على طريق الحرير الممتد من الصين إلى كامل قارة آسيا، أما اليوم، فإن الرئيس الصيني، شي جين بينج، شرع في تجديد طريق التجارة القديم بمبادرة الحزام والطريق العابرة للقارات، وكانت أفغانستان من أوائل الدول البالغ عددها 140 دولة تقريبا، التي شاركت في التوقيع على صفقات الاستثمار الصينية، ولكن أفغانستان لا تمثل مجرد مصدرا للأموال بالنسبة للصين.

وأعربت بكين عن قلقها حيال عدم الاستقرار الذي يمتد عبر الحدود الدولية، وبدت تلك الشواغل جلية بشكل خاص في ضوء تدقيق الغرب في سياسة الصين بمنطقة شينج يانج المجاورة لأفغانستان، والتي تعتقد الولايات المتحدة، أن بكين اعتقلت هناك أكثر من مليون شخص من عرقية الأويجور، بسبب مخاوفها من تشكيل قوات خارجة عن القانون مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية، أو الحزب الإسلامي التركستاني، الذي نشط في أفغانستان.

ووضع وزير الخارجية الصيني، وانج لي، ثلاثة نقاط وصفها بأنها تخظى بأولولية قصوى لدى الصين في أفغانستان، وهي منع توسع الصراع في أفغانستان إلى حرب أهلية، والثانية إعادة الأطراف الأفغانية إلى طاولة المفاوضات في أقرب فرصة ممكنة لتحقيق المصالحة الوطنية، والثالثة منع الجماعات الإرهابية من إحراز أي تقدم وتوسيع نفوذها داخل البلاد.

ورحبت الصين في بادئ الأمر مثل روسيا والصين، بالتدخل الأمريكي في أفغانستان عام 2001، والتي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة حركة طالبان، وبعض من الجماعات الإرهابية كتنظيم القاعدة، ولكن نظرة بكين السلبية إلى الأوضاع هناك ازدادت مع الوقت، مثلها مثل رؤية موسكو وطهران وقوى دولية أخرى.

وفي الوقت الحالي اعتبر مسؤولون صينيون، أن واشنطن مسؤولة عن أي اضطرابات ظهرت في أفغانستان، في أعقاب سحب قواتها من البلاد.

وقال وزير الخارجية الصيني الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة شنت حربا في أفغانستان استمرت لمدة 20 عاما، ولكن السلام لم يتحقق... خلال هذا الوقت، عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان لقوا حتفهم في عمليات عسكرية أمريكية، وتم تهجير عشرات الملايين من منازلهم وأصبحوا لاجئين".

وأضاف الوزير الصيني أنه مع انسحاب الولايات المتحدة في أفغانستان، عليها أن تفكر في الدور الذي لعبته في الأزمة الأفغانية، وكيفية الوفاء بالتزاماتها لتحقيق المصالحة وإعادة البناء في البلاد".

وتابع وانج لي قائلا: "بذلت الحكومة الأفغانية جهودا كبيرة على مدار سنوات للحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي وتحسين معيشة الشعب.. كما يجب على حركة طالبان باعتبارها قوة عسكرية كبرى في أفغانستان أن تعترف بمسؤولياتها تجاه الدولة والشعب، وتعمل على قطع علاقاتها مع جميع القوى الإرهابية والعودة إلى التيار السياسي الرئيسي في أفغانستان".

وفي حين أن رأس المال الدبلوماسي لروسيا قد أتاح الفرصة للجمع بين الفصائل الأفغانية المتنافسة للوصول إلى اتفاق سلام، فقد أثبت النفوذ الاقتصادي الصيني أيضًا أنه جذاب لكلا الجانبين. وترى بكين إمكانات محتملة لطالبان، طالما أنها تفي بوعودها بقطع العلاقات مع المليشيات الأجنبية.

- إيران وخلافها مع طالبان

لا تزال إيران مرتبطة بأفغانستان بشكل أعمق من الصين وروسيا من بعض النواحي، فالبلدان ليسا مرتبطين بالروابط التاريخية فقط، بل أيضا بالروابط الثقافية واللغوية.

ولكن بينما يعتبر البلدان نفسهما جمهوريتين إسلاميتين، فإنهما يختلفان إلى حد كبير في الأيدولوجية وطريقة الحكم، وهذه الفجوة من المرجح أن تتسع مع سيطرة طالبان بشكل أكبر على أفغانستان.

وعندما صعدت طالبان إلى السلطة لأول مرة، كانت داعما رئيسيا للتحالف الشمالي في أفغانستان، بجانب روسيا، ولكن في هذا الوقت بقيت الولايات المتحدة على الهامش إلى حد كبير إلى أن اتخذت إجراءات اقتصادية ضد طالبان بعد تفجيرات القاعدة عام 1998 لسفارتي واشنطن في تنزانيا وكينيا، ثم تدخلت عسكريا نيابة عن التحالف الشمالي في عام 2001.

وفي نفس العام، وقع حادث لا يزال متأصلا في عمق ذاكرة إيران، حيث أحرزت حركة طالبان وقتها تقدما في مزار الشريف، وحاصروا القنصلية الإيرانية وقتلوا 11 شخصا، بينهم 8 دبلوماسيين إيرانيين وصحفي إيراني.

وعندما تدخلت الولايات المتحدة، عرضت إيران المساعدة، وسعت للتعاون مع الولايات المتحدة لاحقا بشكل علني، كجزء من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

وتدعم إيران حاليا عددا من "المليشيات الصديقة" لها تنشط في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وإحدى تلك المليشيات معروفة باسم الفاطميون، وتنحدر من مجتمع الهزارة الذي تقطنه أغلبية شيعية في أفغانستان وحملت السلاح ضد حركة طالبان.

ولكن على الرغم من التكهنات المتزايدة بشأن وجود تعاون بين طهران والفاطميون، نفى الطرفان وجود أي جهود منسقة لإعادة انتشار قوات شبه عسكرية في أفغانستان.

وقال المتحدث باسم البعثة الإيرانية الدائمة للأمم المتحدة، شاروخ ناظمي، إن إيران سعت أولا وقبل كل شيء إلى الحل الدبلوماسي في أفغانستان.

وأضاف: "إيران لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى وهذا يشمل جارتنا الجيدة أفغانستان".

وتابع: "على الرغم من ذلك فإن إيران أكدت في عدة مناسبات دعمها لاستضافة محادثات تهدف إلى إحلال السلام وإنهاء النزاع في أفغانستان".

وأشار ناظمي إلى أنه لا ينبغي نسيان أن إيران تستضيف الملايين من اللاجئين الأفغان، وتحقيق السلام أمر مهم لإيران ولكل من يرغب في العودة إلى وطنه وإعادة بناء حياته هناك".

في نهاية المطاف، تسعى إيران، التي تضم بالفعل عددًا هائلاً من اللاجئين والمهاجرين الأفغان بسبب عقود من الاضطرابات، إلى تحقيق الاستقرار في أفغانستان التي تقع على حدودها الشرقية قبل كل شيء.