فرخة بالأسمنت يا لينا.. حكاية الراحل فيصل ندا مع «بيسين» الملك فاروق ومرشد الإخوان «المتحرش»

يختلف المبدع مع من يشبهونه دائما في مناخ ابداعي.. ولكن يظل الاحترام ملقيا بظلاله على محيط الاختلاف.. كلمات ألقاها يوما الكاتب والسيناريست الرائع فيصل ندا، الذي رحل عن عالمنا اليوم الثلاثاء، حبيب الكل - كما يُطلق عليه في الوسط الفني - عن عمر يناهز 81 عاما.

ابن الذوات صاحب القيم

ولد فيصل ندا بحي عابدين بالقاهرة عام 1940، وزرعت فيه والدته حب التفوق وتنمية مواهبه، وساهمت مكتبة والده، وكيل وزارة المالية، المحب للثقافة في تثقيف الطفل فيصل ندا، الذي تخرج من المدرسة الإبراهيمية بجاردن سيتي، وحصل على بكالوريوس تجارة قسم محاسبة من جامعة القاهرة عام 1963، والتحق بفريق التمثيل بالجامعة، إلى جانب كونه أحد أعضاء فريق التمثيل والكتابة بالكلية، وبرع فيصل في كتابة مسرحيات للتمثيل فيها مع زملائه بالكلية.

عقب تخرجه التحق بالعمل في وزارة المالية، إلا أنها لم ترض طموحه وأحلامه التي بدأها منذ كان بالكلية، ما دفعه للسعي إلى تحقيق أحلامه بعيدا عن العمل الروتيني، وحلق بخياله إلى أبعد مدى.

رفع قضية على سمير غانم وجورج سيدهم .. لماذا ؟

ويأتي عام ١٩٦٧ بنكسة يونيو، التي ألقت بظلالها الثقيلة على شتى المجالات بما فيها الإنتاج السينمائي، في ظل تأميم صناعة السينما المصرية، وبدأت تركيا ولبنان في استقطاب الفنانين المصريين للعمل في أفلام أشبه بسينما المقاولات التي انتشرت في التسعينات، إلا أن فيصل ندا تصدى لتلك الظاهرة، وظل ينادي بالالتفاف حول السينما ودعم الصناعة، لإيمانه أن الفن يسطر التاريخ للأجيال القادمة، وفي عام 1974 اطلق العرض المسرحي "من أجل حفنة نساء"، ثم مسرحية "المتزوجون" عام 1976، و"أهلا يا دكتور" عام 1980، وكان شديد التمسك بعدم الخروج عن النص، لدرجه مقاضاته للنجمين الراحلين سمير غانم وجورج سيدهم، أثناء تعاونه معهما في مسرحية "أهلا يا دكتور" بسبب خروجهما عن النص.

وقال فيصل في حوار تليفزيوني: "رفعت عليهم قضية لأنهم خرجوا عن النص، أنا بدي مساحة للممثل أن يبدع في دوره، لكن يبقى في خروج عن النص والآداب فهذا أرفضه، كنت بقولهم توجيهات وتعليمات وحاولت معاهم كتير يوقفوا خروج عن النص بهذه الطريقة، لكن مكنوش بينفذوا كلامي؛ لأن اللي بيقولوه كان بيضحك الناس، وأنا كنت واقف بتحرق وراء الكواليس"، وأضاف بفخر "كنت أول مؤلف يرفع قضية على الممثلين بتوعه، وطالبت بوقف عرض المسرحية، واتوقفت ورفعت عليهم قضية ودخلوا قفص الاتهام ومرجعتش عروضها غير لما التزموا بالنص، وأنا أكثر مؤلف عانى من سيف الرقابة، ولكن أنا الرقيب جوايا أنا، وزي ما أنا برفض إني أولادي يسمعوا ألفاظ خارجة، فكنت برفض إن الجمهور يسمع أي كلام خارج عن التقاليد".

«بيسين» الملك فاروق وتغيير المسار

روي فيصل ندا، أنه كان يستطيع مشاهدة حمام السباحة «البيسين» الخاص بالملك فاروق بقصر عابدين، من شرفة منزله المواجه لقصر عابدين، وكان يتابع استمتاع الملك وشقيقاته ورفيقاته بالمياة، إلى أن لاحظ الملك ذلك، وأمر على الفور بإخلاء الأدوار العليا المحيطة بالقصر، وانتقلت الأسرة إلى شقة أعلى مطبعة الرسالة، أمام مجلة الرسالة الشهيرة في ذلك التوقيت، وبدأت مرحلة جديدة في حياة فيصل الطفل، حيث كان يتسلل إلى المطبعة ليستمع لمناقشات كبار الكتاب الذين يحضرون بأنفسهم لتسليم مقالاتهم، ما ساهم في تشكيل وعيه.

فيصل الإخواني والمرشد «البصباص»

أثناء مرحلة الثانوية العامة، التحق فيصل بجماعة الإخوان المسلمين، وكان يتم تدريبه على السلاح والزحف في منطقة المقطم، إلا أنه ـ وفقا لروايته ـ لم يكن يشعر بالراحة تجاة المرشد ولم يكن يقتنع بما يتفوهون به، خاصة أنها أوامر تحض على الكراهية والعنف، وضد قناعاته الشخصية.

وتابع ضاحكا: «جاءت اللحظة الحاسمة بعد عام، عندما شاهدت المرشد يعاكس فتاة في حي السيدة زينب، لأتأكد من كذب مزاعم تلك الجماعة، وما يدعونه من فضيلة وشرف، ولم أصدق كلمة لهم طالما حييت، ثم التحقت بفريق التمثيل بالجامعة فيما بعد لنسيان تلك المرحلة». 

رحم الله المبدع المناضل فيصل ندا، صاحب الرصيد العظيم من الأعمال السينمائية والمسرحية والتليفزيونية، التي من أشهرها «المساجين الثلاثة، نهاية الشياطين، الحب المحرم، نساء الليل، الشيطان امرأة، الوفاء العظيم، الأنثى والذئاب، شباب يرقص فوق النار، وتمضي الأيام، من يطفئ النار، الحب في طريق مسدود، يا رب ولد، قضية سميحة بدران، المعلمة سماح، مغامرات زكي الناصح، المغتصبون، دسوقي أفندي في المصيف، صيف ساخن جدا، والفجالة» ومسرحيات «المتزوجون، أهلا يا دكتور، من أجل حفنة نساء، إن كبر ابنك، المدرسين والدروس الخصوصية، كيمو والفستان الأزرق، الدور الرابع شقة 9، الصعايدة وصلو، أزواج بلا ماضي، حفلة جواز بابا، الرجل الذي فقد ظله» وغيرها.