الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة الوعي (2)

 إذا كات الحرب العسكرية تسعى إلى إحتلال الحقول ، فإن حرب الأفكار تسعى إلى إحتلال العقول .. وإذا كانت الحرب العسكرية تهاجم العسكريين والمواقع العسكرية ، فإن حرب الأفكار تهاجم المدنيين والعسكريين على حد سواء .. وإذا كانت الحرب العسكرية محدودة في الزمان والمكان ، فإن حرب الأفكار مستمرة في الزمان(أوقات الحرب والسلم معًا) .. وإذا كانت من تقنيات الحرب العسكرية التشويش على الرادارات وأجهزة الاتصالات واختراقها لتحريف ضربات العدو وإفساد خططه ، فإن حرب الأفكار تعمل على التشويش على العقول وعمليات التفكير للأفراد .. وإذا كانت الحرب العسكرية تستعمل الحرب الإلكترونية والمعلوماتية وتعمل على تدميرها بفيروسات ، فإن حرب الأفكار تستعمل فيروسات المعلومات المغلوطة والمشوهة وترسلها إلى أنظمة جهاز التفكير لدى أفراد المجتمع المعادي لتدمر معنوياته وشل قدرته على الابتكار والتفكير بشكل سوي .
 إن حرب الأفكار هي أخطر الحروب ، فهي تحاول أن تصيب الأفكار والتعاليم والمبادئ وتزرع بذور الفرقة والانقسام ، وتضع العقبات أمام التقدم والتطور .. وتعمل في الظلام وتطعن في الخلف ، وتلجأ إلى تشويش الأفكار وخلق الأقاويل والإشاعات ونشر الإرهاب.
 وخطورة هذه الحرب ، أن فكرة واحدة فاسدة قد تضر بأجيال كاملة ، حيث يبدأ تخلف أي أمة بفكرة سلبية قاتلة تستقر في نفوس الناس .. كما أن إصابة الإنسان في وعيه من أخطر الإصابات ، فالإنسان قد يتعايش مع كثير من إصاباته الجسدية أو الحسية ، ولكن كيف يمكنه أن يعيش ويفكر من أصيب في وعيه؟
 لقد تعرضت مصر ، وتحديدًا منذ أحداث 25 يناير 2011 ، لمعارك عديدة ومتنوعة ، كان أخطرها على الإطلاق "معركة الوعي" ، التي استهدفت التزييف المتعمد للحقائق والأحداث والإنجازات التي تمت في كافة ربوع الوطن ، وخاصة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد .. فمعركة الوعي هي معركة الحياة والوجود في ظل العالم الجديد الذي نعيشه ، بما يحويه من وسائل تواصل اجتماعي وشبكات معرفة وقنوات فضائية كثيرة ومتنوعة .. يمكن استخدامها في تزييف الوعي(وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله ، أو غير واقعي) ، أو في خلق وعيًا جزئيًا (عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة التي تؤثر وتتأثر بعضها ببعض).
 ولا شك أن الوعي كغيره من المفاهيم والقضايا ، يحتاج إلى مقومات ، إما على المستوى الشخصي أو في إطار المؤسسات والمجتمعات ، ولعل أهم تلك المقومات: المؤسسات التربوية والتعليمية على تنوعها وفي كل مراحلها ، فالأسر والمدارس والجامعات والمناهج الدراسية والمعلمون والخطباء وأئمة المساجد والقساوسة ، يسهمون بشكل جوهري في رفع مستوى الوعي لدى الأفراد والمجتمعات ، ويسهمون إسهامًا كبيرًا في إكساب الإنسان الأدوات اللازمة للحكم على الأمور ونتائجها .. كما أن الإعلام يعتبر من أهم وأخطر الوسائل في تقدم الأمم أو تخلفها ، وما لم يحمل الإعلام مبادئ وقيمًا حضارية رائدة يترفع فيها عن الابتذال والإثارة ، فإنه سيتحول إلى وسيلة هدم سريع مهما كان البناء عتيدًا والبناة كثرا.
 الإعلام من أهم أدوات القوة الناعمة التي تستخدم لكسب العقول ، وخلق الوعي الاجتماعي والسياسي وتبني الواقع .. فهو شريك أساسي في التوعية والدفاع عن الدولة الوطنية وهويتها وثوابتها .. ولكن للأسف ، لم يكن إعلامنا المحلي في بداية المعركة على المستوى المطلوب للمواجهة ، إذ كان يدور كعادته في البرامج والتقارير والأخبار التقليدية ، ويهمل الجوانب الفكرية والعقائدية ، وهذا ما أدى إلى سيطرة الإعلام الآخر ، إلى حد أن الكثيرين كانوا يأخذون أخبار مجريات الأحداث والتحليلات الفكرية والسياسية من القنوات الخارجية ، ولاسيما بعض القنوات المأجورة.
 ولكن على الرغم من أن الإعلام المحلي تقدم شيئًا فشيئًا ، ولاسيما الإعلام الفضائي ، وهو يحاول منافسة الإعلام المضلل ويفضح أكاذيبه وإدعاءاته .. إلا أننا ما زلنا في معركة إعلامية مع الفكر الهدام والمتطرف ، الذي يبُث الشائعات والأكاذيب ، لا تقل في أهميتها عن المعركة التي يخوضها جيشنا الباسل في سيناء ضد الإرهابيين .
 وبالتالي ، فإن الأمر يتطلب من وسائل الإعلام عبر وسائطها وبرامجها المختلفة ، الموجهة للاطفال والشباب والعمال والفلاحين ، والشرائح الاجتماعية الأخرى ، أن تغير في مضمونات برامجها وأساليب تقديمها ، مع ضرورة التنسيق والتكامل بين الجهات القائمة على هذه الوسائل ، حتى لا يكون هناك أي تعارض أو تناقض في المفاهيم والأفكار ... وهذا يحتاج إلى عناصر بشرية مؤهلة فكريًا وثقافيًا ، ومشبعة بالروح الوطنية والانتماء الوطني ،تتمتع بعقلية منفتحة ، تجيد توظيف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة وتجيد الحوار والنقاش والإقناع .
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط