الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشيخوخة ليست سن

تساءلت دوماً عن المسافة الفاصلة بين الشخص ومرحلته العمرية،.. هل تقاس بشهادة ميلاه.. وضعه الوظيفي.. نظرته لذاته وطريقة إدارته لخارطة حياته،..أم تحدد وفقاً لحالته الصحية وقدرته على رعاية نفسه ومن حوله؟!.. أقول هذا الكلام  بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسنين في الأول من أكتوبر، والذي أقرته هيئة الأمم المتحدة، ليكون ناقوس إنذار لأي مشكلة تواجه كبار السن فضلاً عن تكريمهم على كل إنجاز قدموه لمجتمعاتهم .. 

وقبل الدخول في أي تفاصيل أو هوامش كان لزاماً أن أتسأل من هو المسن؟!،... في الواقع لا يوجد تعريف جامع شامل "للشيخوخة"،  لأنها ببساطة عملية فسيولوجية خارج نطاق القدرة البشرية لكن النظرة لماهيتها  تختلف من مجتمع لأخر، فالبعض يربطها بسن التقاعد عن العمل، وأخر يرهنها بدرجة مشاركة الفرد في الأنشطة المختلفة، ومدى استطاعته القيام بالأعمال الموكلة إليه.. بينما تؤكد منظمة الصحة العالمية على عدم وجود وصف نمطي للمسن،..وأصدق دليل تمتع عدد ليس بقليل في سن ال80 بقدرات بدنية وعقلية مماثلة لقدرات كثيرين ممن تبلغ أعمارهم ال20..  

ودليل منظمة الصحة العالمية تحديداً هو ما أريد التحدث عنه.. فالسن لم ولن يكن أبداً مقياس سليم لوصول رجل وامرأة لمرحلة الشيخوخة، فهو لا يزيد عن رقم .. مجرد رقم.. مدون في أجندة العمر.. فالمراحل العمرية في كافة الدول المتقدمة تقاس بالمشاعر.. الحب.. العطاء.. فكم من شاب وفتاة شاخت أحاسيسهم عن كل حلو، وتوقفوا عن الأمل.. العمل.. وتطوير الذات، فأصبحوا عالة على أسرهم ووطنهم، والاسم صغار وفقاً لأعمارهم المدونة بخانة الأوراق الرسمية!.. وكم من امرأة ورجل تنطق كل ذرة بكيانه بحرفي الحاء والباء، فأمنوا بأحقيتهم في الاستمتاع بغد أحلى غير معنيين بالخطوط الطولية والعرضية، ولو حفرت على ملامح الوجه.. ولا حتى البياض، وإن زحف إلى شعر الرأس.. فعاشوا في شباب دائم بعد وصولهم لما يسمونه "بسن المعاش"!..

المسن يا سادة ليس عمر بل شعور،..وأكبر خطأ يرتكبه معظم الناس في مجتمعاتنا الشرقية ربط المشاعر بشهادة الميلاد، وكأن الفرحة ملاصقة لرقم يجب ألا يتخطى أبداً الستين وإلا أصبح الوصول لكل ما يجلبها عيب وتهمة بالتصابي!.. 

عفواً أعزائي المسنين بالشعور،.. أنتم من تحكمون على أنفسكم بالشيخوخة.. وبدلاً من النظر لسن ال"60" وما فوقه كشهادة خبرة موثقة بجميع التجارب الحياتية، واعتبار أيامكم القادمة فرصة لن تعوض لإسعاد الذات بكل ما سبق وحرمتم منه بفعل أعباء فرضت عليكم حتى أتممتم أدواركم على أكمل وجه سواء في العمل أو البيت.. تضيعون المتبقي من أعماركم في القيل والقال والخوف من كلام الناس لو فعلتم ما يسعدكم بحجة "راح الوقت"!.. 

ليتكم  تكفوا عن الندم على الفرص الضائعة، وتنتهزوا  كل ساعة في استعادة أحلامكم المنهوبة سواء كانت هواية.. عمل.. أو حتى علاقة عشق تعيشونها مع شريك العمر، وإن لم يوجد فلا عيب في البحث عنه طالما أنه مناسب بحسابات العقل.. تعلموا من قصة المرأة الخمسينية  التي قلبت السوشيال ميديا منذ أول أمس حين نشر أولادها الشبان صور لعقد قرانها على رجل ستيني بعد طلاقها من أبيهم وأعربوا عن بالغ فرحتهم لسعادتها!.. وقد أرجعتني هذه الحكاية لتحقيق صحفي أجريته منذ 17عام عن "زواج الونس"،.. ذلك الحب الحلال الذي يولد بعد ال60 فيطيل العمر، ويحسن علاقة الآباء والأمهات بأبنائهم الكبار  بدلاً من استجداء الاهتمام من هذا الابن وتسول الرعاية من تلك البنت المشغولة بدنياها.. 

ولا أقصد بكلامي حصر أحقية المسن في الفرحة على الغرام فقط، بل دعوته للاستمتاع بكل ما يمت للسعادة بصلة، فلم ولن أنسى أبداً جد صديقتي المدرسية حين قرر تعلم قيادة سيارته بعد رحيل سائقه الخاص، وقد كان في ال90 من عمره حينذاك.. ولا يمكن أن أغفل عن نساء ورجال استغلوا هواياتهم المختلفة في إقامة مشاريع صغيرة بعد بلوغهم سن التقاعد.. أو حتى استثمروا أوقات فراغهم في التعلم، العمل الأهلي، وغيره من الأنشطة التي تعيد الشباب فلا ينضب أبداً ..      

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط