الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

11 عاما من استفزازات إثيوبيا في أزمة سد النهضة .. كيف حافظ الرئيس السيسي على مبدأ السلمية ونجح في كسب تأييد العالم لمصر

السيسي خلال احدى
السيسي خلال احدى مشاركاته في اجتماعات الامم المتحدة
  • السيسي ينجح في الدفاع عن حق مصر وكسب تأييد العالم 
  • مصر تصر على تأييد التوصل لاتفاق ملزم لملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث
  • جهود دبلوماسية مكثفة لوزير الخارجية لمواجهة تحديات الأزمة
  • تعاون مثمر بين مصر والسودان  

رغم ضراوة المعركة على مستوى ملف قضية سد النهضة بسبب تعنت إثيوبيا وصلفها ومحاولات المراوغة التي تكشف عن عدم احترافية لاعبيها، تتحلى مصر بالصبر وضبط النفس وفق موقف ثابت ومبدأ راسخ أكده الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وشامل حول ملء وتشغيل سد النهضة، مدافعا عن حق مصر الأصيل في نيلها وغير منكر لحق الاشقاء الإثيوبيين في تحقيق التنمية من خلال الاستفادة بمياه النهر دون الإضرار بدولتي المصب مصر والسودان وحقوق شعبيهما الأصيلة.

وأكد الرئيس السيسي ذلك مرارا وتكرارا في العديد من المحافل الدولية التي حضرها وعلى مستوى العديد من القمم، كما انعكس ذلك أيضا على مستوى سياسات الوزارات المعنية ولاسيما وزارة الخارجية والري والموارد المائية وغيرها.

فعلى الرغم من دخول ازمة سد النهضة عامها العاشر، وجه الرئيس السيسي بأن تراعي مواقف وجهود الوزارات المعنية المصالح للدول الثلاث مصر والسودان واثيوبيا وتجلى ذلك من خلال المقترح الفني العادل الذي قدمته الحكومة مراعيا مصالح أديس أبابا واحتياجاتها للكهرباء من السد، رغم تعنتها ومراوغتها، دون الإضرار بالمصالح المائية المصرية، وحصة الدولة من المياه والمقدرة بــــ 55,5 مليار متر مكعب سنويا بحسب الاتفاقيات التي وقعت بين مصر وأثيوبيا وما ينوب عنهما (في بروتوكول روما 1891 / أديس ابابا 1902 / لندن 1906 / روما 1925 / القاهرة 1959/ اطار التعاون بين مصر واثيوبيا 1993 )، والتي نصت جميعها علي الحفاظ علي الموارد المائية لدولتي المصب، والتعهد بعدم الاضرار بالمصالح المائية من خلال انشاء سدود المشاريع تعرقل تدفق المياه الي تلك الدول بدون الرجوع الي قادة الدول الثلاث والاتفاق فيما بينهما.

ثوابت الرؤية المصرية

وأعلن الرئيس السيسي أمام العالم اجمع خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عن انفتاح مصر على كل جهد دولي للوساطة من أجل التوصل إلى الاتفاق المطلوب، مؤكدا ان لمصر ثوابت على مستوى السياسة الخارجية بشأن ملف سد النهضة لا تحيد عنها، مؤكدا رغبة القاهرة في تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وأثيوبيا، وتوسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف والسعي لإيجاد رؤية مشتركة لحل تداعيات الأزمة.

وتجلت توجيهات الرئيس السيسي في اعتماد السياسة المصرية في مشوارها من أجل حل الأزمة على الاعتماد على اتفاق المبادئ الذي وقع عليه رؤساء الثلاث دول مصر والسودان وأثيوبيا في مارس 2015 بوصفه ملمحًا هامًا من ملامح التعاون وبناء الثقة بين الدول الثلاث، معلنة وحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل الشرقي "مصر والسودان وأثيوبيا “، والتركيز في المناقشات على أساس المنفعة المتبادلة بعدم الضرر والعمل على تحقيق المصلحة للجميع.

كما أكد تمسك مصر بحق شعبها المكتسب والتاريخي في مياه النيل وحرصها على استمرار دعم مختلف جوانب التنمية في منطقة حوض النيل.

وأيضا تبنى ثوابت الرؤية المصرية، ونفقا لتوجيهات الرئيس، على حث الأطراف على ضرورة تحقيق تطلعات قيادتنا وشعوبنا وإعطاء مثال للعالم أجمع أن المياه تعد حافزا للتعاون وبناء الحضارات وليست مصدر للصراعات، والتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة، على نحو يمكن إثيوبيا من تحقيق التنمية الاقتصادية التي تصبو إليها وزيادة قدراتها على توليد الكهرباء التي تحتاجها، أخذًا في الاعتبار مصالح دولتي المصب مصر والسودان، وعدم إحداث ضرر لحقوقهما المائية، والعمل بعزم على التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل العالقة وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد، وذلك على النحو الذي يؤمن لمصر والسودان مصالحهما المائية ويتيح المجال لإثيوبيا لبدء الملء بعد إبرام الاتفاق، وحتمية بلورة اتفاق قانوني شامل بين كل الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد، ورفض الإجراءات المنفردة أحادية الجانب التي من شأنها إلحاق الضرر بحقوق مصر في مياه النيل.

جولات المفاوضات

وخاضت مصر العديد من جولات المفاوضات منذ عام 2011 والتي اتسمت فيها الجلسات الأولى بتعنت إثيوبيا وعبر مجموعة من الجولات الأخرى التي تلتها حتى عامي 2014-2015 تمكنت مصر من صياغة شروط مرجعية للجنة الفنية الوطنية وقواعدها الإجرائية، والاتفاق على المعايير العامة لتقييم واختيار الشركات الاستشارية الدولية الموكل إليها أعمال الدراسات الفنية.

ثم انتهت إلى الاحتكام لبيت خبرة عالمي لتقييم السد وتحديد آثاره وتداعياته، وهي المرحلة التي انتهت في مارس 2015، حين تم الاتفاق على 7 مكاتب استشارية عالمية واختيار واحد من بينهم لتنفيذها.

واستمرت جولات المفاوضات في أعوام 2016 و2017 والتي استضافتها القاهرة والخرطوم حتى اقترحت مصر مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية، لتمتعه بخبرات فنية واسعة، تمكنه من تيسير عمل اللجنة الثلاثية، وهو الامر الذي رفضته اديس ابابا، كما كما لم تتفاعل الخرطوم مع المبادرة المصرية.

وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جلسة حوارية بالمؤتمر السابع للشباب، الذي عقد في العاصمة الإدارية على مدار يومي 30 و31 يوليو 2019، ان "لابد من الاتفاق مع الأشقاء في إثيوبيا على فترة ملء خزان السد، بالشكل الذي نستطيع معه تحمل الأضرار، ويجب أن نقدر حجم المياه الذي نستطيع تحمل فقدانه، والذي من الممكن أن نتوافق عليها".

وعن نتائج الاجتماع الثلاثي لوزراء الري للدول الثلاث الذي عقد في القاهرة في مطلع أكتوبر 2019 قال الرئيس عبد الفتاح السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي أنه لم ينتج عنه أي تطور إيجابي وأضاف ان "الدولة المصرية بكل مؤسساتها مُلتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل، ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفى إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق وسيظل النيل الخالد يجري بقوة رابطًا الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا".

مياه النيل مسألة حياة وقضية وجود

وفي ضوء الجهود المصرية لوضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته، عرض الرئيس السيسي وجهة نظر مصر تجاه قضية سد النهضة أمام المجتمع الدولي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 74، مؤكدًا أن "مياه النيل مسألة حياة وقضية وجود" وأوضح أن دخول أثيوبيا حاليًا مرحلة ملء السد بشكل أحادي دون وجود اتفاقيات وإطار تنظيمي لتلك المرحلة بمشاركة الدول الثلاثة «مصر والسودان وأثيوبيا» مؤشر خطر، حيث انه يعني تقليل كمية المياه التي تصل إلينا، مما يضر بالمواطن المصري.

وخاضت مصر بعدها جولات من المفاوضات بوساطة أمريكية، وعقدت جولة مباحثات في واشنطن لوزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا برعاية أمريكية وبحضور ممثلي البنك الدولي، وأكدت مصر على لسان وزير خارجيتها سامح شكري إن الاجتماع أسفر عن نتائج إيجابية من شأنها أن تضبط مسار المفاوضات وتضع لها جدولا زمنيا واضحا ومحددا حيث تقرر عقد أربعة اجتماعات عاجلة لوزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي بصفة مراقب تنتهى خلال شهرين للتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد على أن يتخلل هذه الاجتماعات لقاءان لوزراء الخارجية في واشنطن بدعوة من وزير الخزانة الأمريكي لتقييم التقدم الذى يتم احرازه.

وعقدت جولة مباحثات في أديس بابا لوزراء الري بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين تم الاتفاق على استمرار التشاور، واعقبها استضافة القاهرة والخرطوم مفاوضات لاستكمال المناقشات الفنية حول القضايا العالقة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.

تضليل متعمد وتشويه للحقائق


وفي 10يناير 2020 أصدرت وزارة الخارجية بيان أكدت فيه أن الاجتماع الوزاري حول سد النهضة الذي عُقد يومي 8-9 يناير 2020 في أديس أبابا قد تضمن العديد من المغالطات المرفوضة جملة وتفصيلاً، وانطوى على تضليل متعمد وتشويه للحقائق، وقدم صورة منافية تماماً لمسار المفاوضات ولمواقف مصر وأطروحاتها الفنية وأن الاجتماعات الوزارية الأربعة لم تفض إلى تحقيق تقدم ملموس بسبب تعنت أثيوبيا وبسط سيطرتها على النيل الأزرق دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب.

وواصلت مفاوضات وزراء الخارجية والري بالدول الثلاث بشأن السد بواشنطن لمناقشة مستجدات المفاوضات الجارية حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.  

وأمام التعنت الإثيوبي للعديد من المفاوضات والأطروحات التي اعتمدت فيها القاهرة سياسة النفس الطويل، في ١٩ يونيو ٢٠٢٠ أعلنت القاهرة التقدم بطلب إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول سد النهضة الأثيوبي تدعو فيه المجلس إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان التفاوض بحسن نية تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي دون إجراءات أحادية تهدد الأمن والسلم الدوليين.

وأجرت مصر اتصالات مكثفة بجميع أعضاء مجلس الأمن والأطراف المعنية في الأمم المتحدة بقضية سد النهضة لتعرض موقفها من الأزمة وشواغلها في القضية الخلافية مع إثيوبيا والتي تتبنى سياسة الأمر الواقع.

وأكد سامح شكري وزير الخارجية أن مصر تولي قضية سد النهضة أهمية قصوى لاتصالها المباشر بالأمن القومي المصري.

وشملت تحركات وزير الخارجية في نيويورك قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن، لقاءات مع الأطراف المعنية بأزمة سد النهضة في مجلس الأمن ومندوبي الدول الأعضاء ودائمة العضوية لعرض موقف مصر من أزمة سد النهضة وشرح حجم الضرر الذي قد ينتج عن أحادية التصرف من قبل إثيوبيا.

كما استعرض خلالها الاتصال الموقف المصري الثابت من قضية سد النهضة والقائم على ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، يحقق مصالح الدول الثلاث ويراعي شواغل دولتي المصب.

وقال وزير الخارجية سامح شكري في رسالة للمجلس :" إن الوضع يشكل تهديدا وشيكا للسلم والأمن الدوليين، ويتطلب أن ينظر فيه المجلس على الفور وطلب الوزير ضرورة عقد جلسة عاجلة تحت بند الأمن والسلم في أفريقيا.

وأكد سامح شكري وزير الخارجية  في رسالته : "أنه بعد 10 سنوات من المفاوضات، تطورت المسألة إلى حالة تتسبب حاليا في إمكانية حدوث احتكاك دولي، يُعرض استمرار السلم والأمن الدولي، للخطر، وعليه فقد اختارت مصر أن تعرض هذه المسألة على مجلس الأمن الدولي .

وأشار وزير الخارجية ، إلى أهمية أن ينظر في التدابير المناسبة لضمان حل الأزمة بشكل منصف وبطريقة تحمي وتحافظ على الأمن والاستقرار في منطقة هشة بالفعل".

جلسة الحسم

وأكد وزير الخارجية أن مصر ستطرح في جلسة مجلس الأمن مراجعة للوضع الحالي، بعد أن فشلت مفاوضات سد النهضة بسبب تعنت اثيوبيا على مدى السنوات العشر الماضية.

وشدد سامح شكري على ضرورة أن يولي مجلس الأمن في جلسته الحاسمة المنتظرة اهتماما كبيرا بقضية سد النهضة كونها ثاني جلسة تعقد بعد جلسة العام الماضي، وهو أمر غير مسبوق.

وتنعقد الجلسة المنتظرة في ضوء الجهود التي بذلتها القاهرة لإقناع الدول الأعضاء، بخطورة الوضع وضرورة أن يضطلع مجلس الأمن بمسئوليته، في ظل استمرار تعنت إثيوبيا وعدم إظهارها أي إرادة سياسية للتعاون في الملف مع مصر والسودان من أجل التوصل لأي اتفاق يرضي جميع الأطراف.

وشدد شكري على رفض مصر القاطع لإعلان إثيوبيا عن البدء في عملية الملء للعام الثاني ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وهو ما يُعد خرقًا صريحًا لاتفاق إعلان المبادئ وانتهاكًا للقوانين والأعراف الدولية.

وأشار وزير الخارجية إلى خطورة اتخاذ مثل تلك الإجراءات الأحادية دون التوصل لاتفاق وأثر ذلك على استقرار وأمن المنطقة.

وفي 15 سبتمبر 2021 رحبت مصر العربية بالبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، في إطار مسئولياته عن حفظ السلم والأمن الدوليين، والذي شجع مصر وإثيوبيا والسودان على استئناف المفاوضات بشأن سد النهضة في إطار المسار التفاوضي الذي يقوده رئيس الاتحاد الأفريقي، بغرض الانتهاء سريعاً من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك في إطار زمني معقول.  

وأكدت على أن البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن حول سد النهضة، وعلى ضوء طبيعته الإلزامية، إنما يمثل دفعة هامة للجهود المبذولة من أجل إنجاح المسار الأفريقي التفاوضي، وهو ما يفرض على أثيوبيا الانخراط بجدية وبإرادة سياسية صادقة بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزِم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة على النحو الوارد في البيان الرئاسي لمجلس الأمن.

تأييد حاشد في مواجهة تعنت إثيوبيا

وبعد كل هذه الجوالات والسجالات التي ما تزال أبوابها مفتوحة نجحت مصر بفضل توجيهات الرئيس السيسي في كسب دعم عالمي لقضيتها في مواجهة الصلف والتعنت الاثيوبي على طول المشوار الذي يدخل عامه الحادي عشر.

وعربيا، أكدت المملكة العربية السعودية دعمها ومساندتها لجمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، وتؤكد أن أمنهما المائي جزء لا يتجزأ من الأمن العربي، كما أكدت دولة الإمارات في بيان صادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي على اهتمامها البالغ وحرصها الشديد على استمرار الحوار الدبلوماسي البناء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات حول سد النهضة بين الدول الثلاث، أعربت مملكة البحرين عن تضامنها مع مصر في الحفاظ على أمنها القومي وأمنها المائي، وحماية مصالح شعبها وحقه المشروع في الحياة، وأعربت وزارة الخارجية الكويتية عن تضامن البلاد مع مصر والسودان، وأكد الأردن أن أمن مصر المائي هو جزء من الأمن القومي العربي، وأن الأردن يقف بالمطلق مع مصر في حماية حقوقها، كما أعلنت سلطنة عمان تضامنها مع مصر وتأييدها في جهودها لحل الخلاف حول سد النهضة عبر الحوار والتفاوض وبما يحقق الاستقرار للمنطقة ويحفظ مصالح جميع الأطراف.