الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ويبقى الأثر

د. محمد مبروك
د. محمد مبروك

نودع كل يوم واحدًا من الأحباب أو الأصدقاء الذين كانوا بيننا ينعمون بالحياة و ينخرطون في معترك الصراعات التي نعيشها طوال الوقت ما بين كسب العيش والنجاح فيما نواجهه من تحديات في الدراسة أو في العمل أو شؤون الحياة المتشعبة.

وعندما نتذكر هؤلاء الذين فارقونا، دائمًا ما يأتي لأذهاننا ما تركوه من أثر سواء على المستوى العام أو المستوى الشخصي، فإذا كان الراحل أستاذًا جامعيًا أو معلمًا (مثلًا)، سيبقى من ذكراه ما تركه من إرث علمي وبحثي وحُسن تعامله مع تلاميذه وتأثيره فيهم، ولن ينفعه ما حصده من أموال أو ما اكتسبه في مسيرته من عداوات مع أي من طلّابه أو زملائه، كما ينطبق ذلك على المهن الأخرى، فيذكر الناس دائمًا من مَدّ يد العون لغيره وترك لهم ما يجعلهم يفتقدون وجوده بينهم، بينما يطوي النسيان كل من عاشوا لأنفسهم دون التفكير في الآخرين.

وما يلفت النظر في كثير من الأحيان، أن بعض الناس من ذوي أولئك الراحلين عن دنيانا يتجهون إلى إقامة بعض الأعمال الخيرية باسم الراحلين تخليدًا لذكراهم وطلبًا للرحمة لأرواحهم بعد تشييعهم لمثواهم الأخير، مما يبعث على التساؤل: لماذا لا يحرص الناس على القيام بهذه الأعمال الخيرية الطيبة وهم أحياء لتكون لهم ذكرى يتركونها بعد رحيلهم بعدما يكونون قد أشرفوا عليها بأنفسهم في حياتهم! ألن يكون ذلك أفضل وأكثر تأثيرًا؟ أم أن الناس لا يدركون أهمية العمل من أجل الآخرين إلا في تلك الظروف الصعبة من فقد الأحبة، ولا يخطر ببالهم ذلك في خضمّ الواقع العنيد الذي يواجهونه بشكل يومي؟

إن ما يحققه الإنسان من نجاحات أو أموال ربما لن يستطيع الاستمتاع بها في حياته، بينا يتركها لورثته الذين يقررون أن يخصصوا جزءًا منها لعمل الخير أو لا، في حين أن التخطيط الجيد والعمل على ترك أثر طيب من عائد العمل أو من العلم الذي ينتفع به أو الأموال للأعمال الخيرية قد يضمن للإنسان ترك ذكرى عطرة بعد رحيله يمتد أثرها بقدر قيمة النفع الذي يصل للآخرين منها.

قال تعالى في سورة الكهف: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (46)، وقد يتضح ذلك في نموذجين بارزين في حياتنا يذكرهما الناس على اختلاف ثقافاتهم بالخير والدعاء بالرحمة، وهما الراحلين "صلاح عطية" و"محمود العربي"، حيث يعرف القاصي والداني دورهما في الحياة الاجتماعية والأيادي البيضاء التي كانا يمدانها للغير في حياتهما فيما كان يطلق عليه "التجارة مع الله"، وهو ما جعل مشهد رحيلهما محفورًا في ذاكرة الجميع، كما أن ما تركاه من أثر طيب وعمل للخير فاق تأثيره كل ما اكتسباه من أموال أو ما حققاه من نجاح في مسيرة حياتهما الزاخرة.

فمهما عشنا من عمر طويل وحققنا من إنجازات كبيرة لأنفسنا وأحبائنا، لن يبقى منها لنا إلا ذلك الجانب الذي امتد فيه عملنا وتأثيرنا الإيجابي للآخرين، حيث أن ذلك الأثر بعيد المدى، إلى جانب المعاملة الحسنة - حتى مع المختلفين معنا - يمثلان الرصيد الذي لا ينضب بعد الرحيل.