الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قشة تقصم ظهر الدول الأوروبية|نورد ستريم 2 والصمت تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا

بوتين وميركل
بوتين وميركل

تعاني الدول الأوروبية من أزمة طاقة طاحنة خاصة مع انخفاض احتياطيات الغاز في القارة إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات.

وتعتمد الدولة الأوروبية بشكل كبير في حل أزمة انخفاض الغاز على روسيا التي تزايدت المخاوف حول وقفها تزويد أوروبا بالغاز بعد تصاعد التوتر بينها وبين أوكرانيا "تلقى دعما أوروبيا وأميركيا في مواجهة موسكو".

مشروع الأنبوب نورد ستريم 2

وفشلت مشاريع أوروبية عديدة لنقل الغاز إلى القارة، وظل الرهان معلقا على روسيا التي نجحت بتزويد أوروبا بنحو 40% من حاجتها إلى الغاز، ففي العام 2011 جرى إنشاء أطول خط أنابيب بحري في العالم بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق، أطلق عليه مسمى "نورد ستريم 1"، والمجهز لضخ 55 مليار متر مكعب من الغاز.

الغاز الروسي
الغاز الروسي

تأسس مشروع "نورد ستريم 1" بناءً على الحاجة الأوروبية المتزايدة لاستهلاك الغاز، الذي بدأ ينضب في القارة، الأمر الذي دفع دولاً أوروبية عدة للبحث عن مصادر استيراد تكفل الإمداد المتواصل والرخيص.

وشاركت في المشروع حينذاك شركة "جازبروم" الروسية التابعة للدولة بنسبة 51%، بالإضافة إلى شركتين ألمانيتين وأخرى فرنسية وهولندية.

تزايد طلب الدول الأوروبية دفع روسيا وألمانيا للبحث عن توسعة لـ"نورد ستريم 1"، وبالفعل جرى توقيع اتفاق إنشاء خط "نورد ستريم 2"، اتخذ مسار الأول في بحر البلطيق، من مدينة فيبورج الروسية إلى لوبمين الألمانية وبطول 446 ميلا، وذلك بالشراكة بين "جازبروم" و5 شركات أوروبية أخرى، وهي ألمانية وفرنسية وبريطانية ونمساوية، وتموّل المشروع إجمالاً بنسبة 50%.

ونال مشروع "نورد ستريم 2"، في يناير 2018، موافقة السلطات الألمانية للبدء ببنائه، وقد بدأ البناء فعليا بعد 4 أشهر من منح الإذن، حيث يضخ "نورد ستريم 2" غازا بسعة 55 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يكفي لتزويد 26 مليون أسرة بالغاز.

نورد ستريم 2
نورد ستريم 2

وأعلنت شركة "جازبروم" في سبتمبر الماضي، أن بناء خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي يربط روسيا بألمانيا "أُنجز بالكامل"، والذي كان قد تأخر مرات عدة بسبب معارضة واشنطن وخلافات أوروبية، وسط مخاوف استخدامه كـ"سلاح جيوسياسي خطير".

ويمتد الأنبوب الذي تبلغ قدرة نقله 55 مليار متر مكعب من الغاز في العام، على 1230 كيلومتراً تحت مياه بحر البلطيق وهو الطريق نفسه الذي يمتد عليه مشروع "نورد ستريم 1" الذي دخل في الخدمة في العام 2012.

وتصل تكلفة المشروع إلى حوالي عشرة مليارات يورو، وقامت "جازبروم" بتوفير نصف تكاليف المشروع، في حين قدمت خمس شركات أوروبية بتوفير النصف الآخر، وهي  "يونيبر" و"فنترسهال" الألمانيتان، ومجموعة "رويال داتش شل" الإنجليزية الهولندية، و"إنجي" الفرنسية و"أو.ام.في" النمساوية.

خط نورد ستريم 2 المثير للجدل

ويضاعف خط الأنابيب الممتد تحت مياه بحر البلطيق عمليات تسليم الغاز الروسي إلى ألمانيا، المروّج الرئيسي للمشروع، وواجهت برلين انتقادات قوية بسبب المشروع سواء من الولايات المتحدة أو حتى من دول أوروبية، باعتبار أن "نورد ستريم 2"، "سيزيد على المدى الطويل" اعتماد الدول الأوروبية في مجال الطاقة على روسيا الخصم الاستراتيجي الكبير بالنسبة للدول الغربية.

العمل في نورد ستريم 2
العمل في نورد ستريم 2

وعلى مدى سنوات، تواجهت واشنطن وبرلين بشأن المشروع، وقد فرضت واشنطن بالفعل عقوبات على كيانات شاركت في أعمال المشروع، قبل أن يتغيّر موقفها بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وما تلا ذلك بالتوصل إلى تسوية ألمانية أمريكية لمحاولة وضع حدّ لهذا الخلاف، وتضمن الاتفاق اتخاذ إجراءات عقابية إذا حاولت روسيا استغلال الطاقة كسلاح، أو قامت بالمزيد من الأعمال العدوانية ضد أوكرانيا.

من جهتها، لم تكفّ المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تأكيد أن "نورد ستريم 2" ليس سوى مشروع تجاري بحت بدون بُعد سياسي.

كذلك في داخل ألمانيا هناك من اعتبر أن المخاوف الأمريكية لا صلة لها بالجانب الأمني، بقدر ما هي متعلقة بمخاوف واشنطن من خسارة مبيعاتها من الغاز في أوروبا.

أما أوكرانيا التي ترى نفسها الأكثر تضررا من المشروع، فقالت في أول ردّ فعل بعد الإعلان عن اكتمال المشروع، إنها سوف تحارب "نورد ستريم 2" إلى النهاية وفق ما نقلت وكالة فرانس برس عن مصادر حكومية حينها.

الصراع الروسي الأوكراني
الصراع الروسي الأوكراني

وتعتبر أوكرانيا أن الأنبوب قد يحرم كييف على المدى الطويل من مبلغ سنوي قدره 1,5 مليار دولار على الأقل تجنيه من عبور الغاز الروسي عبر أراضيها نحو أوروبا، بالإضافة إلى أنه يقوّض نفوذها إزاء خضمها الروسي.

وكانت المستشارة الألمانية السابقة قد جددت تأكيدها في أواخر أغسطس الماضي من كييف، بأن بلادها ستفعل كل ما بوسعها لتمديد عقد العبور الروسي الأوكراني الذي ينتهي العمل به في العام 2024، بينما أبلغها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي أنه يعتبر "نورد ستريم 2" بمثابة "سلاح جيوسياسي خطير".

ويثير خط أنابيب بحر البلطيق "نورد ستريم 2"، لغطا واسعا داخل أوروبا والولايات المتحدة، منذ أن تم الإعلان عنه كمشروع لأول مرة في العام 2015 وحتى الانتهاء من تنفيذه قبل نهاية العام الماضي في انتظار الحصول على تصاريح التشغيل؛ ذلك في ظل المخاوف الأوروبية والأميركية لجهة ما يشكله هذا الخط كسلاح جيوسياسي كبير بيد الكرملين، وبما يعزز نفوذ الدب الروسي في القارة العجوز.

أهمية نورد ستريم 2 لألمانيا

ورغم ما يحظى به "نورد ستريم 2" من أهمية قصوى بالنسبة لألمانيا كآلية مستدامة لضمان الطاقة فيها، وكذا الاتحاد الأوروبي بشكل عام، إلا أن المخاوف والانتقادات الأوروبية لم تهدأ إزاء المشروع الذي ظل عنوانا رئيسياً لموجات من الشد والجذب بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، وقد لوّحت ألمانيا والولايات المتحدة أخيراً بإيقاف الخط حال أقدمت موسكو على اجتياح أوكرانيا.

بوتين وميركل
بوتين وميركل

وألمحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الخميس، إلى اتجاه برلين لفرض عقوبات قد تستهدف خط أنابيب "نورد ستريم 2" حال أي غزو لأوكرانيا، في الوقت الذي أعلن فيه أيضاً المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن "خط أنابيب نورد ستريم 2 بين روسيا وألمانيا لن يمضي قدماً إذا غزت موسكو أوكرانيا".

ويقطع "نورد ستريم 2" خمس دول؛ هي "روسيا وألمانيا والدنمارك وفنلندا والسويد" عبر منطقة أوست لوغا في خليج فنلندا، ليمتد في بحر البلطيق ويصل شمال شرق ألمانيا عند مدينة غرايفسفالد، وبما يخنق كييف اقتصادياً، ذلك أنه كان يمر بها جزء كبير من الغاز الروسي في طريقه إلى أوروبا، الأمر الذي عزز من وضعية أوكرانيا وأهميتها الجيوسياسية، وحال بدء الخط الجديد فإن كييف ستفقد جزءاً كبيراً من تلك الأهمية، علاوة على خسائر اقتصادية بالغة.

وتولي روسيا اهتماما كبيرا بمشروع "نورد ستريم 2"؛ لكي يتم ربط سوق الغاز الأوروبية بشكل كامل مع روسيا، ومن أجل زيادة اعتماد أوروبا على روسيا في مجال الغاز، بما يسمح لروسيا بشكل أو بآخر التأثير على بعض الدول الأوروبية، وزيادة التعاون الأوروبي الروسي بشكل أوضح.

وتريد موسكو زيادة تفاعلها مع دول أوروبا بشكل منفصل، وليس مع الاتحاد الأوروبي ككتلة، والهدف من ذلك تكسير الوحدة الأوروبية لصالح زيادة التعاون الروسي مع الدول الكبرى داخل الاتحاد الأوروبي.

القوات الأوكرانية في دونباس
القوات الأوكرانية في دونباس

ويشكل مشروع "نورد ستريم 2" تعاوناً روسيا ألمانيا صرفا، ولولا هذا التعاون ما وصل المشروع إلى مراحله النهائية الآن في انتظار بعض التصاريح.

لا يزال التوتر يسيطر على الحدود الفاصلة بين روسيا وأوكرانيا خاصة مع مواصلة الحشد الروسي استعدادا لشن هجوما محتملا ضد كييف "عاصمة أوكرانيا وأكبر مدنها، وتقع في شمال وسط البلاد على نهر الدنيبر".

وتؤكد كافة الأنباء الواردة من المنطقة الفاصلة بين الدولتين إضافة إلى تصريحات المسؤولين خاصة الصادرة عن حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية والمراقبين الدوليين والمهتمين بما تشهده الحدود بين روسيا وأوكرانيا قرب شن الدب الروسي هجوما عسكريا.

خط أنبوب نورد ستريم 2
خط أنبوب نورد ستريم 2