الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عمر بن الخطاب..عُرف في الجاهلية بالفصاحة والشجاعة.. وبشره الرسول بالجنة والاستشهاد في سبيل الله

صدى البلد

عمر بن الخطاب .. هو ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من سُمّي بأمير المؤمنين، وهو الذي أيد الله -تعالى- به الإسلام، وفتح به الأمصار، وقد وردت الكثير من النصوص التي تدل على عِظم فضله، وترصد لكم « صدى البلد» جانبًا من سيرة عمر بن الخطاب - رضى الله عنه-.

 

اسمه وصفته

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح، من بني عدي بن كعب إحدى عشائر قريش، وأمه حنتمة بنت هاشم المخزومية، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة.

كان عمر بن الخطاب طويل القامة، ضخم الجسم، كثير شعر البدن، وقد انحسر شعره عن جانبي رأسه، أبيض البشرة، شديد الحمرة، يخضب شيبه بالحناء، له شارب كثيف، أعسر يسر -وهو الذي يعمل بيديه جميعًا.
 
عمر بن الخطاب بعد إسلامه

بلغ الثلاثين من عمره وقت المبعث النبوي، فكان شديدًا على المسلمين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية فأسلم عمر في السنة السادسة من البعثة، فاعتز به الإسلام. وجهر بإسلامه فتعرض له المشركون وقاتلهم وقاتلوه.

وعرف في الجاهلية بالفصاحة والشجاعة، وعرف في الإسلام بالقوة والهيبة، والزهد والتقشف، والعدل والرحمة، والعلم والفقه وكان مسدد القول والفعل.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة وسبعة وثلاثين حديثًا، وقد وافقه القرآن في عدة آراء اقترحها على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وحجاب أمهات المؤمنين، ونصحه لأمهات المؤمنين قبل نزول آية التخيير.

وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وبالشهادة، وبما سيكون على يده من خير، ووصفه بالعبقري "لم أر عبقريًا يفري فريه" (البخاري). وبيَّن أنه إن كان في الأمة محدث -بمعنى ملهم- فهو عمر (البخاري). وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاقتداء بأبي بكر وعمر.

مكانة عمر بن الخطاب

 

سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- له مكانة رفيعة في الإسلام، وله منزلة كبيرة عند الله -سبحانه وتعالى-، فقد أنزل فيه قرآنًا يتلى، ووافق الوحيُ كلامَه -رضي الله عنه -في أكثر من موضع، أوصلها بعضهم لعشرين موافقة، ومما يُرْوَى في هذا الباب أن عمر كان يرى الرأي فينزل به القرآن.دليل ذلك:عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ:﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]، وَآيَةُ الحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ [التحريم: 5]، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»، رواه البخاري.

 

خلافة عمر بن الخطاب


كان عمر بن الخطاب مقربًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيره في المهمات، شهد معه المشاهد كلها، وقد صاهره بالزواج من ابنته حفصة أم المؤمنين، وكان أبو بكر يستشيره كثيرًا، وهو الذي أشار عليه بجمع القرآن، وقد عهد إليه بالخلافة بعد مشاورة كبار الصحابة ورضاهم. ولقب بأمير المؤمنين.

وأظهر عمر بن الخطاب في خلافته حسن السياسة، والحزم والتدبير، والتنظيم للإدارة والمالية، ورسم خطط الفتح وسياسة المناطق المفتوحة، والسهر على مصالح الرعية، وإقامة العدل في البلاد، والتوسع في الشورى، "وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أم شبانًا"، ومحاسبة الولاة وفق مبدأ "من أين لك هذا"، ومنعهم من أذى الرعية.

وفتح بابه أمام شكاوي الناس، وتدوين الدواوين، وتعيين العرفاء على العشائر والقبائل. وابتدأ التأريخ الهجري، وكان لا يستحل الأخذ من بيت مال المسلمين إلا حلة للشتاء وأخرى للصيف وناقة لركوبه وقوته كقوت رجل متوسط الحال من المهاجرين.

وتدل خطب عمر بن الخطاب ورسائله إلى الولاة والقادة على بلاغته العالية وبيانه الواضح مع الإيجاز المفيد والبعد عن الإطناب والإغراب والمبالغة، وتعبر بدقة عن شعوره العميق بالمسؤولية تجاه الدين والرعية، مع حسن التوكل على الله والثقة بالنفس.

من مواقف عمر بن الخطاب:

مما نزل فيه القرآن بشأن عمر ما رواه الواحدي في "أسباب النزول" عن قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: 14]، قال: "قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد عمر بن الخطاب خاصة، وأراد بالذين لا يرجون أيام الله، عبد الله بن أُبي، وذلك أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها المريسيع، فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء، فأبطأ عليه فلما أتاه قال له: ما حبسك؟ قال: غلام عمر قعد على قف البئر فما ترك أحدًا يستقي حتى ملأ قِرَبَ النبي وقِرَبَ أبي بكر وملأ لمولاه، فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سَمِّنْ كلبَك يأكلْك، فبلغ قولُه عمرَ -رضي الله عن-ه فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية".

وفي رواية أخرى أن سبب النزول تَعَلَّق بيهودي يُدعى فنحاص، لما نزلت هذه الآية: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: 245]، قال: "احتاج رب محمد"، فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن ربك يقول لك: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: 14]، واعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي"، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طلبه، فلما جاء قال: «يا عمر ضع سيفك»، قال: "صدقت يا رسول الله أشهد أنك أرسلت بالحق"، قال: «فإن ربك يقول: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾» قال: "لا جرم والذي بعثك بالحق لا يرى الغضب في وجهي".

فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما كان فيه من حمية وقوة يقف عند أوامر الله -سبحانه وتعالى- ورسولِه -صلى الله عليه وسلم- وهذا مما يرفع من منزلته وقدره، رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا بفقهه وسلوكه.


استشهاد الخليفة عمر


وقد غلبت الدولة الإسلامية في عهده الفرس والروم وحررت الهلال الخصيب ومصر، ومصرت الكوفة والبصرة والفسطاط، ومازالت في صعود وامتداد، حتى اغتاله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر ليلة الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة 23 للهجرة، بعد خلافة دامت عشر سنين وستة أشهر، وكان عمره ثلاثًا وستين سنة.
 


وفاة عمر من علامات الساعة
 


من علامات الساعة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَيُّكُمْ يَحْفَظُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا. قَالَ: نَعَمْ، فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنْ عَنِ الْفِتْنَةِ الَّتِي قَبْلَ السَّاعَةِ؟ تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ عُمَرُ: أَيُفْتَحُ، أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: إِذًا لا يُغْلَقُ؟ قَالَ أَبُو وَائِلٍ: فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنْ ذَلِكَ، يعَنْي الْبَابَ؟ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ».

وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق عمر رضي الله عنه، وسماه شهيدًا، وهو حي، كما ورد في قصص ارتجاف جبال أحد، وحراء، وثبير، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال: «أثبت أحد، فإنما عليك نبي، وصِدّيق، وشهيدان» رواه البخاري
 

مرت قصة وفاة الخليفة عمر -رضي الله عنه- بعدة مشاهد وأحداث منها:

في العام الذي توفي فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان قد أدّى مناسك الحج، وجاء الأثر أنّه دعا ربّه -سبحانه- حُسن الخِتام، قال سعيد بن المُسيّب -رضي الله عنه-: (لمّا صدر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من منى أناخ بالأبطح، ثمَّ كوّم كومة من بطحاء، ثمّ طرح عليها رداءه، ثمّ استلقى ومدّ يديه إلى السماء، فقال: اللهمّ كبُرَت سنّي، وضعُفَت قوَّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط)، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (عن عمرَ -رضي اللهُ عنه- قال: اللهمّ ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلّى الله عليه وسلّم).

كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يمنع السبايا من دخول المدينة المنورة، إلّا أنّ المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- والي الكوفة طلب من عمر بن الخطاب أن يسمح بدخول فتى مجوسيّ يُكنّى بأبي لؤلؤة إلى المدينة المنورة؛ لإجادته العديد من الصنائع، مثل: الحدادة، والنجارة، وغيرها، فوافق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على دخوله.

شكا أبو لؤلؤة المجوسيّ إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الخراج الذي فرضه عليه المغيرة بن شعبة، إلّا أنّ عمر بن الخطاب بيّن له أنّ خراجه ليس بالكبير مُقارنةً بما يقوم به من أعمال، فحقد أبو لؤلؤة المجوسيّ على عمر بن الخطاب، وبيتَ النيّة لقتله.

في السادس والعشرين من شهر ذي الحجّة من عام ستّة وعشرين للهجرة، صلّى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالناس صلاة الفجر في المسجد، وكان أبو لؤلؤة المجوسيّ متّخذًا مكانًا في المسجد يكمنُ فيه، فلمّا كبّر عمر -رضي الله عنه- للصلاة طعنه أبو لؤلوة في كتفه وخاصرته بخنجر ذي نصلَين، فقال عمر رضي الله عنه: (وَكَانَ أَمرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقدُورًا)، وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وقدمه لإتمام الصلاة بالناس، وأخذ المجوسي يطعن المُصلّين فطعن ثلاثة عشر رجلًا، ثمّ طعن نفسه ومات.

تيقّن عمر -رضي الله عنه- أنه يعيش أيامه الأخيرة في هذه الدنيا، فأرسل إلى أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- يستأذنها بأن يُدفَن بجوار صاحبَيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، فأذِنت له. لبِث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بضعة أيام إلى أن توفّي شهيدًا، فحِزن عليه المسلمون حزنًا شديدًا، وصلى عليه صهيب الرومي -رضي الله عنه- صلاة الجنازة إمامًا بجموع المصلين.