الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القوة الناعمة

هادي التونسي
هادي التونسي

هل مر شريط حياتك بإحدى هذه المحطات ؛ والد صارم لا يقبل النقاش ، والدة تخنقك بحبها الجارف المتملك ، مدرس يعتقلك فى نظام حديدي ، مرشد أو رجل دين يرى فى كل خروج عن تفسيراته حراما أو تهلكة ، مدير عصبي قاس يريدك خائفا ممتثلا لأوامره ، شريك حياة لا تستقيم علاقة معه  إلا لو قبلته متسلطا غيورا وربما متلصصا ؟ 

هى ممارسات القوة الخشنة على الغير التى تمنح صاحبها شعورا بالسيطرة أو الثقة الظاهرية أو الأمان أوالنجاح أو الزهو و العظمة  ، وهى ممارسات تورث التوتر والصراعات ، ولا توفر ضمانا لاستمرار فاعليتها والنجاح فيها على حساب الغير ، ينتج ضحايا يحلمون بالانتقام أو بتكرار التجربة  مع غيرهم فى الأسرة أو العمل أو الشارع بشرط أن يكونوا هم الجناة على ضحايا آخرين ، سيكون عليهم أن يقبلوا نفس مشاعر القهر والخوف فى تلك الدائرة المفرغة.

لكن ماذا عن " الطرف الأقوى " ؟ وهل تخفى القوة الغاشمة خوفا من الفشل أو توترا وقلقا أو قلة حيلة وتناقضات داخلية أو عجزا عن فهم النفس والآخرين أو الافتقار لاحترام كرامة ومشاعر وحرية الغير  ؟ وهل تكفل بافتراض فاعليتها سلاما أو سكينة للفرد ؟ وكيف يقوم مجتمع على سيادة القوة دون تضامن ، دون قواعد، دون حقوق ، دون محبة واحترام وتسامح وحرية وسلام ؟

قد تكون شعرت فى محطات حياتك بكراهية أو نفور من تلك الأمثلة  ، ولكن هؤلاء قد يكونوا بدورهم ضحايا لآخرين فى تجارب مسيرتهم  ، دون أن يستوعبوا الدرس أو تنضجهم المعاناة  ، فجعلوا تبادل الأدوار لاحقا تعويضا عن كرامة وحرية افتقدوها بعد أن داستها أقدام القهر  والجهل أو الظلم والهوان  أو الخوف و اليأس  ، وكأنهم لا ينتصرون لمعني أو لقيمة بل لطموحات شخصية ضيقة ، يرضون ان تحققت  ، وينقلبون على أنفسهم ان أفشلها آخرون.

هل دار بخلد " الجناة " أن السيطرة على الآخر بديل للسيطرة على متناقضات النفس وسلبياتها  ودليل على ضعف الثقة والافتقار للصدق مع النفس والآخر ولاحترام قيم الحرية والكرامة  ؟

وهل يستطيع الجانى أن يحلم بأن يمتلك يوما ما قوة منبعها الفطرة الصافية  والمنطق المتماسك  وسيادة العقل والقيم الأصيلة النابعة من الذات والمشاعر الصادقة واحترام الحرية والكرامة  والقانون والحقوق ؟ حين يحقق صفاء النفس  سلام المجتمع  وأهداف الفرد  ، حين تكون القدوة محرك النجاح والتقدم والسعادة  ، حين يؤدى التجرد والصدق الى شمول الرؤية والانتصار للمعنى  ، حين تكفل المعاملات مصالح الكل الحقيقية  ، حين يقود فهم حقيقة النفس  والآخرين الى عمق الاخوة  والاحترام والتضامن  و محبة الكل فى واحد.

تلك هى القوة الناعمة  ، فهل نريدها لانفسنا  ؟ وهل تستحق مخاطر التجربة  ؟ وهل نملك الإيمان بنبل الهدف  والأمل والمثابرة لتحقيقه؟

الإجابة هى اختيارك .. وعلى مسؤليتك .