الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مأساة إنسانية

نهال علام
نهال علام

بمداد من الحروف يبكي على ما يراه من غير المألوف، سأصِفُ الدفوف لترقُد على الرفوف فلا مكان لها بيننا  حتى يعود المَعروف من رحلته المجهولة لوجهته غير المذكورة، حيث ترك العالم فريسة سهلة بين أنياب القتلة والفجرة، الذين لمْ تَرِدهم عِبرة، ولم تختبر أعينهم ذرف عَبرة، تضامناً أو تفاعلاً مع ما يهتز له عرش البشرية في تلك الأيام التى تشهد الأخلاق الغَبرة!

على مرّ العصور لم تفتح الشمس أهدابها دون أن ترخيها خجلاً مما شهدته، ولم يلملم القمر جدائله إلا حُزناً على ما أطلع عليه في عُليته، فذلك هو قانون الحياة جريمة بلا توبة، وتوبة بلا عودة، وذنب تصحبه مغفرة، ومغفرة يتبعها خطأ، وخطأ ينجِي من الخطيئة، وخطيئة نحسبها خطيرة، بينما الخطيرة هي ماكُنا نحسِبها هينة، والهينة تُطهر من لمم ولمم يؤدي لمزيد من الندم!

وتتعاقب الآثام وتتوالى الكبائر، ولكن تتزاحم المغفرة وتتسارع التوبات، وتحدث معجزات فتتراجع النفس ويتقدم الهوى وبين الزلات والغفلات كم نفساً تاقت للانفلات، وبعضها سألت الثبات، وبين ماضٍ وآت لازالت تُرتكب الموبقات، وبين الجُنح والجنايات تكتظ جنبات المحاكم ، قد يتباطأ العدل ولكن لا يتأخر العادِل، فهل من مُتعِظ وكل ما يحيط بِنا واعِظ، ونتائجه تكفي لتكون الرادِع! لكن اذكركم ونفسي بقانون الحياة، المحمولة بين جناحى الفجور والتقوى، والنفس تهوى فتهوي.

كم من فتاة قتلت بدماء باردة غارقة في الذكورية المُفرطة والمخدرات المُهلكة، ولكن لم يهلك هو بل أهلكها هي، ثمناً للرفض وعقوبة للصَد! ولكن أذلك ما أفزع الأنام أن تُرتَكب جريمة والناس ليسوا نيام! 

مُنذ نعومة أظافر الكون، وحينما كان يعمُه السكون، لمْ يكُن على الأرض من البنون إلا قاتلاً ومقتول، عرفت الحياة الجريمة قبل أن تختبر السكينة، وتلك مأساة الإنسانية والنفس البشرية.

وفي محيط عائلتى الصغيرة شهدت إحدى بنات العائلة منذ ما يزيد عن الخمسين عاما وقائع قتل فتيات، فالقريبة التى حكوا عن جمالها وتغزلوا في حُسنِها قتلت على درجات سلم البناية أمام القاصي والداني، فذلك العاشِق ابن الحسب العايق والذي يُعد نسباً لائق في الزمان الرائق ، تعقَبها لباب بيتها هددها إن لم تكُن له فلن تكون لغيره لأن الأرض لم تنجب في وسامته وحسبه ودلاله وفوق هذا العرض الكريم  فأنه يُحبها حُباً كبير.

وعندما ضحكت وسخرت منه متسائلة " حب ايه اللي انت جاى تقول عليه " كما كانت تشدو أم كلثوم في هذا الوقت فاجأها بطعنة لم تستغرق الكثير من الوقت، لتسقط الجميلة وسط دهشة المارة قتيلة، رحلت وسط دعوات لها أن تنعم بالسلام الذي مُنحَ لأسرتها لتعبر تلك المِحنة التى تُصنَف من المِحن العِظام، فالبعض كتب عليهم أن تنتهى حياتهم رهن كلمة (لا) وتلك قصة عتيقة في فصول الزمن العريقة.

تعددت الأسباب والموت واحد، سنموت بشكل ما في يوم ما لسبب ما، سندفع حياتنا في إحدى اللحظات ثمناً للرفض أو القبول، للإهمال أو القنوط، للمرض أو الضغوط، بالحوادث أو العوارض نحن رهن قَدر ولكن ألا يكفينا أن نموت مرة، أم أصبح الموت حقاً علينا ألف ألف مرة!

غُدرت فتاة، وبينما عُنقها لايزال يقطُر دما، كانت سيرتها تُهدر بلا رحمة، لتقتل بدل المرة آلاف المرات بمداد الكلمات، التى حاسبتها قبل أن تلقى بارئها، فقط لأن مظهرها العادي لم يرضى عنه أصحاب المقام العالي أصحاب صكوك الجنة ومالكي سندات الآخرة!

وهذا هو الموت الذي لم نعرفه إلا من سنوات قليلة، وتتسارع حدية عُنفه بوتيرة سريعة، فماذا حدث، لم هذا العبث! كان للموت حُرمة من اغتالها! رائحة الفقد لها هيبة فأين ضلت طريقها! اعتدنا أن الميت لا تجوز عليه إلا الرحمة فأين هي من تلك الزهرة التى قُطفت من بستان الحياة قبل وقت قِطافها! القاتل الذي اغتالها بنصلِه بين يدي العدالة، ولكن من طعن ذِكراها بكلماته طليق وتلك ليست عدالة!
نحن على حافة هاوية انتحار الإنسانية فماذا بعد!

لم يشغلني صياح اللجان الإلكترونية عن الأمن والأمان، فأمريكا بلد الأحلام معدلات الجريمة فيها لا تحتاج لشاهد عيان، ولعل الذاكرة مازالت عامرة بحادثة القتل الأخيرة التى نجمت عنها وفيات ليست قليلة، وكما ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة الأمريكية شهدت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية مايو في 2022 أكثر من 200 حادث إطلاق نار جماعي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 شخصا، وذلك ببساطة لأن حيثما وجد بَشر أصبح من الوارد أن يُصبح منهم مادة في خبر، فالنفس لارهان عليها والحَزم النفسي لايُعول عليه أضف إليه المرض السلوكي بفضل انحدار القيم وتعاطي المخدرات، فنحن أمام مأزق حقيقي والكل مُدان!

والسبب مجتمع حَرم نفسه بنفسه من نعمة السلام، ونزع عنه ستر الإحسان، ونَصب نفسه قاضي على الأحياء وجلاداً على الأموات، أشارت أصابع الاتهام للدراما ولا أبرئها فهي مدانة، ولكن ليس بفعل القتل وإنما بجريمة المَسخ التى نراها بين الكثير من الشباب في الأفعال والأقوال والسطحية والاداء، حتى في انعدام الطموح والجنوح للتكاسل والبحث عن المكسب السريع في المال والشهرة والعلاقات، هذا أثر لما قُدم لسنوات عديدة من وجبات درامية رديئة على ايدى المحمومين بصناعة السيط والغنى بعد أن كانوا من المحرومين، تلك تركتهم، وتدني الذوق العام تهمتهم، والتغيير في شخصية الشباب من صناعتهم، فالحض على العنف هو منتهى العنف.

ومن قراءة تاريخ البشرية يؤسفنى أن أبلغكم أن سلسال الأحداث الغريبة لا يتوقف، فالجريمة هى أحد وجوه الحياة، يمكن أن نحِدها ولكن لا يمكن اجتزازها، وذلك يتطلب في المقام الأول الوعى بالمشكلات النفسية وإتاحة فرص لعلاجها على شاكلة الأمراض الموسمية لأنها أولى فهى فتاكة، ولا أتحدث عن الأمراض النفسية حتى لا يظن أحد اننى أجد مُبرر للقاتل ولكن حديثي عن الاضطرابات النفسية التى يعاني منها معظمنا بدرجات، من القلق للوساوس القهرية ولكن لا نُلقى لها بالاً فليس لدينا وعى لنفهم ولا ثقافة لنبوح بما يعتمل في أنفسنا، وربما هي تلك الاضطرابات التى جعلتنا نرى ما يأنف منه الضمير في تعليقات البعض المؤسفة على الحوادث المُفجعة.

ومما لا شك فيه أن القضاء الناجز والعدالة السريعة ستمثل رادع لمن تراوده نفسه، ولكن إذا كان من الصعب مجابهة الأفعال الغير متوقعة فهل من الممكن محاربة الكلمات الموجهة!

فيوماً سنجتمع في عالم آخر سيبعث المغدورون وسيتسائلون "بأي ذنب قتلت" فالجريمة تغتال المرء مرة، بينما تناولها يغتال الأسرة والمتوفى ألف مرة، فهل من سبيل أن نقل خيراً أو لنصمت عامتنا وخاصتنا، وخاصة من يتكلم باسم الدين فليتحرى نصائحه حتى لا يزج بالدين فيما لاعلاقة له بالدين والأخلاق والإنسانية.