عندما بدأ صيت أم كلثوم يذيع في مصر في العشرينيات، لم تكن هناك في مصر سوى مطربة تضاهي سلطانة الطرب منيرة المهدية في الشهرة ولا في التأثير، وهو ما وصفته الدكتورة رتيبة الحنفي بأنها حققت مجدا عريضا لم يحققه نجم من قبلها، تدله في حبها وعشق صوتها ملوك ووزراء وعظماء وأدباء.
منيرة المهدية: ربنا وهبني صوت لا يأتي إلا كل 100 عام
قالت منيرة المهدية عن بداية احتراف الغناء، إنها بدأت تغني عندما كانت في الثامنة من عمرها، وكنت أغني قصائد.. "ربنا وهبني صوت لا يأتي إلا كل 100 عام"، واشتهرت بطقوقة "أسمر ملك روحي". وإنها أول ما ظهرت، ظهرت كرجل في روايات الشيخ سلامة حجازي حيث مثلت دور روميو.

وطبيعي عندما تحتل عرش الغناء لأكثر من 30 عاما، وتظهر من تخطف من تحتها سلم النجومية، أن يحدث نوع من الغيرة والفضول لمعرفة من هي النجم الصاعدة القادمة من الأرياف، أو بمعنى أصح "بنت الفقي"، مثلما قال الشاعر أحمد رامي.
قال مصطفى أمين عن رغبة منيرة المهدية في الاستماع إلى صوت أم كلثوم: "في إحدى الليالي، ارتدت منيرة المهدية ملاءة لف سوداء، ووضعت على وجهها برقعا، وارتدت شبشبا في قدميها حتى تبدو كبنات البلد، وصحبت معها الممثل محمد بهجت، وذهبت إلى مسرح رمسيس حيث كانت أم كلثوم تغني، واشترت منيرة تذكرة في أعلى التياترو (وهو أرخص مقعد في المسرح) وجلست منيرة المهدية تسمع أم كلثوم، والجمهور يهلل وشهدت سيطرة أم كلثوم العجيبة على المستمعين، وهي تتحكم فيهم بصوتها الخلاب، وتجعلهم يرقصون في مقاعدهم، ويترنحون على نغماتها، ويهبون واقفين مصقفين لها، هاتفين بحياتها.
لم تحتمل منيرة المهدية أن تحضر أكثر من الوصلة الأولى من غناء أم كلثوم، فتركت المسرح غاضبة، ساخطة على غباء الجمهور وجحوده وقلة ذوقه.
كيف خططت منيرة المهدية للقضاء على أم كلثوم
يروى الكاتب الصحفي مصطفى أمين قصة إغواء منيرة المهدية للصحفي محمد عبد المجيد حلمي صاحب مجلة المسرح، حتى تستغله للقضاء على أم كلثوم باستغلال مقالات تهاجم الموهبة الشابة. وكتب حلمي في المجلة بتاريخ 17 يناير 1927 "أم كلثوم لها مئات العشاق، ولا أدري ماذا يحبون فيها؟ فهي ليست على شيء من الجمال، ولا خفة الروح، ولا سلامة الطبع".
تحولت المجلة وقلم محمد عبد المجيد حلمي إلى لسان حال منيرة المهدية، لدرجة أنها كتب في 31 يناير من عام 1927 أن "أم كلثوم نجمها قد غرب".

إلا أن قصة غرام حلمي ومنيرة المهدية تحولت إلى مأساة، بسبب الحب من طرف واحد، خصوصا بعد أن دخل الكاتب فكري أباظة على الخط، ونافس صحفي مجلة المسرح على قلب سلطانة الطرب. وعندما ابتعدت منيرة عن الصحفي الشاب، مرض جسده حتى وافته المنية وهو يجري وراءها، لدرجة أن مصطفى أمين كتب مقالا في أخبار اليوم بعنوان "المطربة التي قتلت الصحفي- والصحفي الذي دفن المطربة".

هدنة منيرة المهدية وأم كلثوم
قررت أم كلثوم زيارة الست منيرة في عوامتها، وتروى سلطانة الطرب قصة هذه الزيارة خلال حديث لمجلة الكواكب، حيث قالت "جاءت أم كلقوم بصحبة القصبجي لزياريي، وعندما قدمت لهما "الكازوزة" تركت أم كلثوم الزجاجة التي أمامها وشربت من الزجاجة أمام القصبجي"، تصايقت منيرة من التصرف، وقررت أن تثبت حسن نواياها لأم كلثوة فشربت من الزجاجة.