الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مجمع أفريقيا.. همزة وصل بين القاهرة والقارة السمراء ويحفظ الأمن القومي المصري

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تسعى مصر إلى تعزيز دورها الريادي داخل القارة الأفريقية، حيث تعد أفريقيا إحدى أهم دوائر الأمن القومي المصري، خاصة في ظل العلاقات التاريخية والمصالح الحيوية بين مصر ومحيطها الأفريقي.

وتواصل مصر الاهتمام بتعزيز التعاون مع دول المنطقة بصورة شاملة، من خلال التركيز على مشروعات التنمية بصفة أساسية، والخدمات الاجتماعية من جهة أخرى، والتنوير والوعي الثقافي من جهة ثالثة.

ومن ثم معالجة جذور المشكلات الأمنية الناجمة عن عوامل التهميش ومعاناة الفقر، بالتوازي والتزامن مع تكثيف الدورات التدريبية، ومتابعة تنفيذ اتفاقات التعاون القائمة، وتشجيع تبادل الزيارات الرسمية وغير الرسمية على مختلف المستويات وفي شتى المجالات. 

الأواصر المصرية - الأفريقية

طالب مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، الحكومة باتخاذ خطوات تنفيذية نحو إنشاء مجمع أفريقيا لتعزيز قوة مصر من الناعمة ودورها الريادي الثقافي داخل القارة الأفريقية.

جاء ذلك خلال توصيات لـ تقرير للجنة الشئون الخارجية والأفريقية والعربية عن الاقتراح برغبة المقدم من النائبة الدكتورة كاميليا صبحي، بشأن إنشاء مجمع أفريقيا، حيث تمت إحالة التقرير إلى الحكومة لاتخاذ اللازم بشأن ما جاء به.

ومن بين التوصيات أيضا؛ كانت مطالبة الحكومة بالعمل على تدبير الأموال اللازمة لإنشاء مجمع أفريقيا بتكلفة مقبولة من خلال مساهمة القطاعين الخاص والعام، حيث تكون مساهمة القطاع الخاص من خلال الشركات المصرية الطامحة لكسب جزء من قوة مصر فى السوق الأفريقية، أما مساهمة القطاع العام فتكون من خلال أصول شركة النصر، حيث يمكن تفعيلها وإحياؤها.

وتضمنت التوصيات أيضا ضرورة استثمار الآليات والقنوات المتاحة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الثقافة بقصورها ومسارحها ومراكزها ووزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات ومكتبة الإسكندرية وجميع القنوات ذات الصلة.

كما يكون "مجمع أفريقيا" مبرزاً ومنسقاً للجهود المتناثرة في الوزارات والكيانات من خلال بروتوكولات تعاون وشراكة إقامة معرض دائم طوال السنة لكي يتسنى للدول الأفريقية عرض ما لديهم لتحقيق التقارب الثقافي، إضافة إلى ضرورة وجود كيان تنطلق منه أشعة الثقافة الأفريقية لتنير العالم أجمع عن طريق تدشين ميثاق لتحقيق النهضة الأفريقية.

وأشار مجلس الشيوخ في تقريره إلى أن ارتباط الدولة المصرية بالقارة الأفريقية ارتباط حضاري، جسدته الجغرافيا والتاريخ والإرادة المشتركة ووحدة المصير، كما عززته المصالح المتبادلة بين الشعوب الأفريقية وسعيها لتحقيق الأمن والسلام والتقدم والازدهار، علاوة على دور نهر النيل وأهميته فى الحضارة المصرية.

وبين التقرير أن التاريخ يؤكد أن انتماء مصر لمحيطها الأفريقي باعتباره إحدى دوائر الأمن القومي المصري، يتجاوز الأبعاد الجغرافية والديموغرافية والتاريخية، حيث يعد هذا الانتماء أحد أهم مكونات "الهوية المصرية على مر العصـور" وعنصرا محورياً فى تشكيل المعالم الثقافية للشخصية المصرية بجانب العروبة والإسلام والمسيحية.

حب الشعوب الأفريقية لمصر

وأوضح الدكتور إسلام أبو المجد، مستشار وزير التعليم العالي للشئون الأفريقية، موافقة الوزارة ودعمها لفكرة الاقتراح، لافتا إلى أنها تعد بمثابة قوة ناعمة تعيد لمصـر هويتها الأفريقية لتغيير المفهوم والانطباع الخاطئ، الذي سعت الوزارة إلى تغييره خلال السنوات الست الأخيرة عن مصر فبالرغم من حب الشعوب الأفريقية لمصر إلا أنهم لا يرون مصر الأفريقية.

واقترح أن يكون هناك معرض دائم لكي يتسنى للدول الأفريقية عرض ما لديهم لتحقيق التقارب بجانب  الدعم الإعلامى من خلال إنشاء قناتين ناطقتين باللغات الأفريقية لطرح وعرض الثقافات والمعلومات المختلفة الخاصـة بـ القارة السمراء، كما يجب أن تضمن هذه المنظومة التدريب الفنى على مختلف المجالات الثقافية والإعلامية والفنية.

من جانبه، أكد الدكتور نور ندى، أستاذ الإدارة بأكاديمية السادات والمتخصص بالشأن الأفريقي، 
أن العلاقات بين مصر وأفريقيا علاقة تاريخية، حيث إن مصر دعمت حركات التحرر وفتحت لهم منابر إعلامية بالقاهرة، مما جعل مصر في مركز قوي وأصبحت صاحبة الحق فى التحدث باسم القارة السمراء، وساهمت بدور كبير في التثقيف والتعليم، وقدمت بعثات علمية للطلاب الأفارقة.

وقال: “مؤسسة الأزهر قامت بدور كبير في تقوية العلاقات بين مصر والقارة السمراء وأصبح خريجو الأزهر من الأفارقة مصريين الهوى”، لافتاً إلى أهمية إنشاء مجمع أفريقي؛ لأنه "سوف يساعد بشكل كبير على تقوية الأواصر المصرية الأفريقية".

من جانبه، يقول فتحي محمود، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: “لا بد من زيادة الاهتمام أيضا بدور مؤسسة الأزهر الشريف في أفريقيا، وهو دور تاريخي مهم، فعلماء الأزهر لهم دور بارز في نشر اللغة العربية وصحيح الدين الإسلامي الوسطي في معظم الدول الأفريقية منذ القدم وحتى الآن”.

ويستعين الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا التابع لوزارة الخارجية المصرية بأعضاء من هيئة التدريس بقسم اللغات الأفريقية بجامعة الأزهر لتدريس اللغة العربية ببعض الجامعات الأفريقية، إلى جانب المنح التي يقدمها الأزهر للطلاب الأفارقة للدراسة بالقاهرة.

إنشاء الكيانات والتجمعات 

ولفت التقرير إلى أن إنشاء الكيانات والتجمعات يعد أهم السبل في عالمنا المعاصر التي تعمل على توحيد الصفوف وتقريب وجهات النظر ونزع فتيل النزاعات الدولية قبل اندلاعها، وإيجاد آليات لحل النزاعات، وليس من الغريب أن تكون الثقافة من بين الأدوات والأذرع الرئيسية لهذه المنظمات والكيانات الدولية والتى بات العالم يقبل عليها لفاعليتها وتأثيرها فى جميع الشعوب والتقريب بينهم.

وذكر التقرير أن الهدف من الاقتراح يكون لمصر على أرضها وباستخدام الأدوات التي تراها، كيان خاص بها برئاستها الدائمة لا ينازعها فيها أحد، يمكنها من التعاون مع الدول الأفريقية تحت لوائه، حيث يضيف للدولة المصرية أداة جديدة إلى جانب أدواتها الفعالة الحالية ويساعدها على بناء مبتكرة وعلاقات جديدة وروابط أكثر وثوقاً وعمقاً بالفن والفكر والثقافة وروابط بين الشـعوب وفتح نافذة يتعرف من خلالها المواطن المصري على جذوره الأفريقية، وعلى دول قارته وإيجاد مسـاحة للتفاعل بينه وبين شعوب بنى قارته.

ويهدف الاقتراح برغبة إلى إيجاد كيان تنطلق منه أشعة الثقافة الأفريقية، ويعمل على إعلاء مبادئ التعاون الإقليمي والمساهمات المصرية فى برامج الاتحاد الأفريقي، وخلق نوع من التنوع فى سياسات وآليات التحرك المصري تجاه بلدان القارة واستدامة التواصل مع الجاليات المصرية في أفريقيا وزيادة التبادل الطلابي والتعاون فى مجال التعليم.

أما السند الدستوري لتنفيذ هذا الاقتراح برغبة، فهو كما جاء بتقرير اللجنة أن ديباجة دستور جمهورية مصر العربية (2014) نصت على أن مصر هبة النيل للمصريين وهبة المصريين للإنسانية، مصر العربية، بعبقرية موقعها وتاريخها، قلب العالم كله فهى ملتقى حضاراته وثقافاته ومفترق طريق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهي رأس أفريقيا المطل على البحر المتوسط ومصب أعظم أنهار العالم.

كما تضمن الفصل الثالث من الدستور المقومات الثقافية، حيث نصت المادة (47) على أن تلتزم الدولة المصرية بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية وروافدها الحضارية المتنوعة.

ونصت المادة (70) على أن تراث مصر الحضاري والثقافي، والمادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وصيانتها، وكذا الرصد الثقافى المعاصـر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.

تأكيد دور مجلس الشيوخ

وأشار التقرير إلى أن الاقتراح برغبة يأتي تأكيداً على دور مجلس الشيوخ، حيث نصت اللائحة الداخلية للمجلس في المادة (3) على أن مجلس الشيوخ يختص بدراسة واقتراح ما يراه كفيلا لدعم المقومات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع.

ويتضمن الاقتراح برغبة إنشاء مجمع أفريقي وفقاً لملامح محددة يتم التأسيس عليها معتمدا على الدبلوماسية الثقافية التي تساعد على بناء الثقة مع المحيط الأفريقي وترسيخ ودعم قواعد السلام في القارة، ويسعى إلى إنشاء مركز للبحوث حول الشباب الأفريقي ومشكلاتهم، مؤكدا أن فكرة المجمع الأفريقي هي وسيلة لتحقيق هذه الأفكار لخدمة القارة ككل ولتحقيق عودة الدور المصري في أفريقيا.

ويتضمن الاقتراح أن يكون هذا المجمع تابعاً لرئاسة الجمهورية، ويكون له قانون خاص منظم لقواعد العمل، وأن يكون مقر المجمع في العاصمة الإدارية، وأن يكون له عدة أفرع في مختلف المحافظات.

ومن أهم مجالات الأنشطة المقترحة لهذا المجمع تسجيل التراث الأفريقي، واستعراض ملامح الأدب الأفريقي، والقيام بدور استراتيجي يعيد مرة أخرى لأفريقيا السمراء رونقها، وينقسم الهيكل التنظيمي للمجمع الأفريقي.

كما جاء بالتقرير أربعة أركان، وهي مجلس رعاة ويتكون من الرئيس المصري ورؤساء الدول الأفريقية ومجلس أمناء ورئيس المجمع ومكتب المجمع ويتكون من عدة وحدات لتسيير أعماله.

وحدد التقرير اختصاصات المجمع في 12 اختصاصا وهي: تنظيم أنشطة وفعاليات من شأنها نشر الثقافة الأفريقية وزيادة الوعي بأهمية العلاقات مع أفريقيا في مختلف المجالات، وإقامة مشروعات ثقافية وفنية مشتركة بالتعاون مع مختلف المؤسسات الثقافية الأفريقية، ودعم الدول الأفريقية في مجال تراثها المادي وغير المادي، وتبني الكفاءات الثقافية والفنية الأفريقية وتدريبها في الأماكن المختصة في مصر.

دعم المرأة الأفريقية المبدعة

وكذلك دعم المرأة الأفريقية المبدعة، خاصة في مجالات الصناعة الثقافية المرتبطة ببيئتها المحلية ومنح إقامات فنية محددة المدة للمبدعين، خاصة من النساء والشباب لإنتاج أعمال فنية “مسرحية – رواية – قصـة قصيرة - لوحات تشكيلية” يربط موضوعها مصـر بأفريقيا وتسهيل حركة التنقل والتعاون المشترك بين المبدعين من مصر ومختلف الدول الأفريقية.

كما تضمنت الاختصاصات وضع برامج تثقيفية وبحثية مشتركة مع المختصين في الشأن الأفريقي للتوعية بمشكلات القارة، ومحاولة إيجاد حلول غير تقليدية لها، وإقامة مشروعات مشتركة في مجالات الابتكار والإبداعات التراثية، وإبداء الرأي في الموضوعات ذات الاختصاص لمختلف الجهات باعتباره بيت خبرة واقتراح جوائز ومنحها فى مختلف المجالات ذات الصلة، وابتكار وسام خاص يمنح سنويا لأكثر شخصية أفريقية دعمت العلاقات بين مصر وأفريقيا.

وأيدت الحكومة كما جاء بالتقرير على لسان السفيرة سها جندى، مساعد وزير الخارجية للمنظمات والتجمعات الأفريقية الاقتراح برغبة بإنشاء مجمع أفريقيا، مؤكدة أنها فكرة إيجابية ومن خارج الصندوق، وأن هناك توجيها من وزير الخارجية بدراسة هذا المقترح بدقة وفهم الوزارة للاقتراح أنه نوع من أنواع أذرع وزارة الخارجية يمكن استخدامه لتدعيم علاقاتها بالدول الأفريقية.