الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سياسة ولا!

كريمة أبو العينين
كريمة أبو العينين

يبدو أن الرئيس الروسى فلاديمير سيظل متصدرا بؤرة الانتباه الدولى من جميع الزوايا والاتجاهات؛  ففى الوقت الذى يتابع العالم كله أخبار مجريات الأمور فى أوكرانيا ومعرفة ما وصلت إليه العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا والتى تخطت شهرها السادس؛  فى نفس الوقت المتزامن معه ترقب الغرب لمصير الغاز الروسى وهل سيصل إلى أوروبا أم أن الشتاء القادم سيكون قاسيا.

 وسط كل هذه الأجواء يتصدر بوتين قائمة وسائل التواصل ومؤشر جوجل بصورة له وهو يحمل رضيعا وتحت الصورة التى ترافقه فيه جميلة من الروسيات هى أم الرضيع، تقول التفاصيل إن بوتين يعيد إحياء مشروع الأم البطلة. 

وبمجرد مطالعتك للعنوان يتأكد لك أن السياسة ليست إدارة فقط فى المعارك ولا التوجهات ولكنها تحنك وتنطلق من الداخل، ففى الوقت الذى تدار عجلة الدعاية الحربية بجميع صورها الحقيقية والمخادعة يطلق الرئيس الروسى صاروخا، يقلب فيه مائدة العالم المترصد رأسا على عقب، فكيف لرئيس مفروضة على بلاده حزمة من العقوبات وأخرى من القيود تصل لحد الاختناق كيف له أن يوقع على مرسوم يقضى بتحمل الدولة بنفقة عشرة أبناء ليعيد إلى الأذهان إحياء مشروع الأم البطلة  الذى أطلقه الزعيم الروسى ستالين عام 1944 لمواجهة ما يعرف باستفحال الأزمة الديموغرافية فى روسيا حينذاك بسبب الحروب وانخفاض إعداد المواليد. 

المرسوم الذى وقعه بوتين يمنح الأم الملقبة بالبطلة فى هذا المرسوم يمنحها لقب بطلة إذا أنجبت واعتنت بعشرة أطفال أو أكثر. 

ومن بين عجائب بنود المرسوم الفلاديميرى حصول المرأة التى تنطبق عليها هذه الشروط مبلغ مليون روبل، أى ما يعادل 16 ألف دولار أمريكى بمجرد أن يبلغ طفلها العاشر عامه الأول. 

وتتمتع الأم البطلة بمزايا كل ما يتمتع به أبطال روسيا فى مجالات أخرى على رأسها العمل.

إذا انتهيت من قراءة هذا الخبر لا تفكر كثيرا فى تفاصيله ولا فى إمكانية تحقيقه على أرض الواقع الروسى بل كل ما عليك التفكير فيه هو ما يدور فى عقل بوتين وكيف له أن ينجح دوما فى تحريك دفة التأييد إلى جانبه وإفساد كل محاولات الغرب تشويه صورته وإظهاره كمارد لابد من تقييده وتكبيله

وعليك أن تسرح طويلا وتستعيد ما رصده التاريخ من فن الدعاية التى كرس لها جوبلز وصارت تدرس فى كليات الإعلام والاتصال الجماهيرى فى جميع أنحاء العالم وبمختلف اللغات، وتسأل نفسك هل الميديا الروسية تتعامل مع الغرب بأسلوب أبو الدعاية الألمانى جوبلز؟ وهل توقيت إصدار المرسوم الروسى المثير للجدل والتساؤل يندرج ضمنا مع منهاج جوبلز فى لخبطة وبلبلة الآخر؟ 

وهل تطرق المرسوم إلى احتواء المرأة الروسية وتقديم يد مملوءة بالعطايا لها جزء آخر من مفاهيم الدعاية الجوبلزية التى تحرص على وجود داعم قوى عاطفى يسهل جذب تأييده واسترضائه وفقا للمرحلة والمطلوب منها؟ والأهم من ذلك هل لدى الخزانة الروسية فى هذا التوقيت فائض يمكنها من دفع كل هذه الأموال للملايين من الروسيات اللائى سينفذن بنود المرسوم الغريب المعنى والأثر؟  

والبعض من الخبثاء قرأوا من بين ثنايا الخبر أن الخسائر الروسية فى أرواح الجنود فى الأزمة الروسية الأوكرانية فادح، وأن ما تعلنه كييف عن قتل وإصابة عشرات الآلاف من الجنود الروس يحمل الكثير من الحقيقة، مدللين على صحة ذلك بما أعلنته موسكو عن إصدار رئيسها هذا المرسوم.

وبعيدا عن المرسوم ودلالاته وجميع التوقعات المستقبلية يحضرني الحوار الكوميدى بين الراحلين العظيمين جورج سيدهم ونجاح الموجى فى مسرحية “المتزوجون”، وهو يسأله عن السياسة فجاء الرد ساخرا لعب عليه قائلا: “ديه سياسة ولا مش سياسة!!!!”.