الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأخدان

نيفين منصور
نيفين منصور

قد يصعب على البعض استيعاب قوله تعالى في سورة المائدة( وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) وقوله تعالى في سورة النساء ( وَلا مُتَّخَذِاتِ أَخْدَانٍ) ، وهو أمر إلهي خاطب الرجل في سورة المائدة وخاطب المرأة في سورة النساء ، ويدل ذلك على تحريمه على كل من الطرفين وتساوى التحريم لكل من الرجل والمرأة.

والأخدان في اللغة مفردها خدن وهو لفظ يطلق على الرجل والمرأة كما وضحه القرآن الكريم والمقصود به المصاحب أو المصاحبة بشهوة أو بغرض الزنا، وبمعنى أوضح المصاحبة غير الشرعية والتي يترتب عليها علاقة سرية في الخفاء. ربما قل مع الزمن استعمال هذا اللفظ العربي في اللغة الدارجة ونستبدله في العامية بالعاشق والعشيقة .

اختلف البعض على المقصود من كلمة خدن هل هي بمعنى الخليل أو الصديق أم تحديدا ترمز للعلاقة غير الشرعية، ولكن لو تعمقنا في معنى الآية الكريمة سنجد أن الأقرب للمعنى هو المصاحبة غير الشرعية أو المصاحبة المصحوبة بالزنا ، فالآية الكريمة في سورة النساء تتحدث في عمومها عن النكاح وجاء ذكر الأخدان في نهاية الآية حيث يقول المولى عز وجل ( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ). والمحصنات هن العفائف عن الزنا ، والمسافحات هن الزواني المعلنات ، وبالتالي فإن أمر النهي عن الأخدان هنا يدل على منع العلاقات غير الشرعية السرية ولا يعني الصداقة العفيفة بين الرجل والمرأة كما أشار البعض في تفسير معنى خدن وربطها بكلمة خليل كمرادف لها.

أما في سورة المائدة فقد جاء الأمر موجهاً للرجال بنفس المعنى حيث قال ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) وفيه إشارة للنكاح من المحصنات من المؤمنات أو من الذين أوتوا الكتاب أي أهل الذمة، والنهي عن السفاح واتخاذ الأخدان.

ومن مجمل الآيتين يتضح المعنى في العموم وهو تحريم العلاقات السرية والمصاحبة بشهوة أو بغرض الزنا ولا يحمل المعنى الصداقة البريئة التي تنشأ بين الرجل والمرأة في العلن ، ومن عدالة المولى عز وجل والتي يجهلها البعض ويظنون أن للرجل كامل الحرية في عمل علاقات سرية لأنه رجل أما الحرمانية تأتي فقط على النساء ، أن حرم السفاح على كل منهما سواء الرجل أو المرأة بكل عدالة ، كما حرم اتخاذ الخدن أيضا على كل منهما وليس على المرأة فقط .

وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل بسبب تحريم الأخدان في الآيتين إلى ضرورة عدم زواج المرأة التي تزني من رجل عفيف حتى تتوب ، وبالمثل لا يجوز زواج المرأة العفيفة من الرجل الزاني حتى يتوب ، استنادا أيضا إلى قوله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .

تلك المحاذير الربانية الهدف منها صلاح المجتمع ، والإشارة إلى ضرورة العفة وعدم المجاهرة بالفسق والفجور ، وتشير إلى كيفية الاختيار السليم لكل من الرجل والمرأة ، وتحمي المجتمع من انتشار ابناء السفاح غير الشرعيين لحماية حقوق جميع الأطراف .

جهل البعض بتلك الأوامر الإلهية يدمر المجتمع ، فالبعض يظن أن حرية العلاقات مطلقة وخصوصاً أننا في زمن الانفتاح على العالم الخارجي بجميع ثقافاته وعاداته ، لذلك لابد من إعادة شرح ما أمرنا المولى عز وجل به حتى لا ننجرف وراء عادات لا تتناسب مع ديننا الحنيف ونصل إلى مرحلة الفسوق التي أشار إليها المولى عز وجل في العديد من آياته فنفقد البركة والستر ، ونستحق ما استحقه من قبلنا من أقوام فسقوا فدمرهم المولى عز وجل وانتهوا إلى الأبد. يقول المولى عز وجل (إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).كما قال (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).