الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمسيس الثالث ومؤامرة الحريم

هند عصام
هند عصام

الفراعنة رحلوا منذ آلاف السنين ولكن تَرَكُوا لنا مصابيح قلوبهم تضوى العالم على مر التاريخ، فكيف لنا أن لا نفتخر بحضارتنا العظيمة وملامح حضارات العالم اندثرت على مر العصور عدا حضارتنا الحضارة المصرية الفرعونية العظيمة؟  

كيف لنا أن لا نفتخر وشعوب العالم  تتفاخر بحضارتنا وآثارنا المسلوبة المنهوبة ويعرضونها فى أشهر متاحفهم  لكى يفتخروا بها وكأنها جزء من حضارتهم؟ 

كيف لا نفتخر ورغم مرور آلاف السنين على عصر الفراعنة، إلا أن أجدادنا هم الغائبون الحاضرون بأجسادهم المحنطة وأرواح مقتنياتهم الثمينة التى أبهرت العالم وأثارت أطماعه. 

بطل قصة هذا الأسبوع هو الملك المخدوع الفرعون المحارب ضحية مؤامرة الحريم الملك رمسيس الثالث أو رعمسيس الثالث، ثانى ملوك الأسرة العشرين، حكم خلال الحقبة 1183 - 1152 قبل الميلاد ابن الملك سات ناختى، مؤسس الأسرة العشرين، ووالدته ملكة مصرية غير حاكمة تدعى تي مرن إسي. 

ولد الملك رمسيس الثالث عام 1217 قبل الميلاد فى المدينة المصرية القديمة طيبة، ولقب بعدة ألقاب منها القوى بمعت ورع ومحبوب آمون وحاكم هليوبوليس. 

ويعتبر الملك رمسيس الثالث آخر ملوك مصر العظماء، لأنه استطاع أن يحمي مصر من غزو شعوب البحر، الذين تسببوا في تدمير الحضارات والإمبراطوريات المجاورة. 

تولى الملك رمسيس الثالث الحكم بعد وفاة أبية الملك سات ناختى، وكانت مصر تعانى فى هذه الفترة من الفقر والانحطاط الاقتصادى، فعمل الملك رمسيس الثالث سريعاً على تحسين الوضع الاقتصادى للبلد، كما أنه اهتم بتطهير بلاده وحماية منطقة الدلتا من الغزوات الخارجية، وعمل على إصلاح أمر العبادة، وتوحيد البلاد وإعادة الهيبة والنفوذ للكهنة، وتكريمهم  بالهدايا الثمينة، ووزعها على كل معابد البلاد، وأمر بعمل إحصاء شامل لها ولكل آلهة مصر. 

كما أنه أراد أن يستعيد السيطرة المصرية في السياسية الخارجية كما كان في الماضي، وبالفعل استعاد رمسيس الثالث سيطرته على المناطق الآسيوية، واسترد سوريا جزئيًا، ومناطق شمال الفرات، إلا أنه بعد عدة أعوام فَقد أرض كنعان إلى الأبد، كذلك كانت الحدود الليبية خطرة على مصر بسبب تنظيم السكان الليبيين الذين يعيشون في تلك المنطقة. 

وفي السنة الحادية عشرة من حكمه، حرص الجيش الليبي على الاستقرار في مصر، وتوجهوا إلى ممفيس، وبالقرب منها وقعت معركة بينهم وبين جيش رمسيس الثالث، وانتصر فيها الفرعون، وكانت أعداد الأسرى كبيرة، وقُدم الأسرى عبيدًا لمصر، ثم ذهب رمسيس تجاه ليبيا واستغل التمرد الحاصل فيها، ليحاربهم ويحصل على المزيد من الأسرى. 

أما عن زوجاته، فكان الملك رمسيس الثالث محباً للنساء فتزوج كثيراً على خُطى الملك رمسيس الثانى، وأنجب كثيراً مثله، فكان لا يعلم أن نهايته سوف تأتى على يد حريمه. 

كان الفرعون رمسيس الثالث، يعيش مع أفراد عائلته والمقربين من حاشيته فى القصر الملكى، وحفلت حياة القصر بالعديد من الأحداث بسبب الغيرة والطموحات والمؤامرات، ونتج عنها صراعات كثيرة، وكان أهمها الصراع على العرش بين الزوجات أمهات أولياء العهود الشرعيين والزوجات الثانويات وأبنائهن الراغبين فى حكم مصر بعد رحيل الملك، ووصل التآمر إلى حياة الملك نفسه.

وكانت من أشهر زوجاته الشرعيين الملكة إيزيس، زوجة ملكية كبرى، وقد عين أحد أبنائها ولي العهد، مما أثار غضب زوجة ثانوية تسمى الأميرة تي، وصور لها عقلها الصغير الأحمق أنها إذا ما تخلصت من الملك رمسيس الثالث وأبناء إيزيس لا شىء سيقف أمام أميرها بنتاورت ويصبح هو الملك وتصبح هى أم الملك.

وبالفعل قامت الأميرة تي بالتخطيط  للمؤامرة التى عرفت بـ"مؤامرة الحريم"، وشارك فى المؤامرة عدد من حريم القصر الملكى وبعض سقاة البلاط وحرسه وخدمه، ولم يعرف هدف هؤلاء المتآمرين مع الأميرة تي التى علمنا هدفها  الأساسى من المؤامرة، وهو التخطيط  لاغتيال الملك والتخلص منه بالتعاون مع بعض نساء القصر كى تضع ولدها "بنتاورت" على العرش بدلاً من ولى العهد الشرعي، ابن عدوتها إيزيس الملك رمسيس الرابع.

وبالفعل تعرض الملك رمسيس الثالث لمحاولة اغتيال فاشلة نتجة عنها قطع الإصبع الكبير لقدم الملك اليسرى ونجا من محاولة الاغتيال، وغضبت الأميرة تي غضباً شديداً، ولَم تيأس الأميرة الخائنة قط فأطماعها أكبر من مخاطر المؤامرة، وخططت  الأميرة تي لمؤامرة أخرى المعروفة بـ"مؤامرة الحريم"، ولكن هذه المرة نجحت المؤامرة، وتم اغتيال الملك رمسيس الثالث من خلال تعرضه لقطع فى الأحبال الصوتية من الخلف وقطع كامل فى الحلق وجرح فى الرقبة وإصابات قوية فى فقرات الرقبة. 

ولكن لم يمضِ الكثير على فرحة الأميرة تي بالانتصار، إلا وانكشفت جريمتها وخيانتها لزوجها الملك، وتم التحقيق  في هذه الجريمة بأمر من الفرعون التالى ولى العهد الملك رمسيس الرابع، وحكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح بين الإعدام والانتحار والجلد والسجن وقطع الأنف وصلم الأذن والبراءة، كل وفقًا لدوره وجريمته فى تلك المؤامرة المشينة. 

وقد أثبتت الدراسات الحديثة التى قام بإجرائها الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، وفريقه على مومياء رمسيس الثالث والمومياء غير المعروفة بالمتحف المصرى، على صحة وجود “مؤامرة الحريم” لاغتيال الملك، وقد نجحت بالفعل بقطع رقبة الملك من الخلف بسكين حاد، وأن مومياء الرجل غير المعروف التى يطلق عليها "المومياء الصارخة" أو "مومياء الرجل الصارخ" كانت لابن الملك "بنتاورت"، الذى أجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته، وتم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودفن جسده فى جلد الغنم الذى كان يعتبر غير طاهر فى مصر القديمة، وبناءً على ذلك سيذهب إلى الجحيم فى الآخرة. 

أما عن مصير الأميرة الخائنة تي، لن يذكر عنها شىء سوى أن التاريخ قد كشف لنا قصة هذه الأميرة الخائنة، وكشف لنا سيرتها غير المشرفة، ومؤامرتها الفاضحة لقتل زوجها ومولاها الملك رمسيس الثالث. 

حكم الملك رمسيس الثالث مصر الفرعونية لمدة 31 عاما، وتوفي عام 1186 قبل الميلاد عن عمر ناهز 63 عامًا، تاركا  لنا الكثير من الآثار والإنشاءات، منها مُلحقات لمعبد الأقصر ومُلحقات لمعبد الكرنك والمعبد الجنائزي أو معبد رمسيس الثالث أو معبد هابو ومعبد الرمسيوم ومعبد الإله نوت ومعبد الإله خونسو وقصر الهابو (قصر المليون سنة) والمجمع الإداري في مدينة هابو. 

وتعتبر مقبرتة مقبرة 11 من أكبر مقابر وأدى الملوك فى مصر الفرعونية، وفي عام 1885م، عثر أحد فلاحي مصر البسطاء على 70 بردية، كانت مدفونة تحت دير المدينة إيزيس وحتحور، وعرضها على تاجر إنجليزي اسمه جورج هاريس في مدينة الأقصر، إلا أن هاريس حينها لم يملك المال الكافي لشراء جميع البرديات، لذا قرر في النهاية شراء البردية الأكبر والتي بلغ طولها 45 مترًا، وكانت هي البردية الوحيدة التي تحتوي رسومات إضافة إلى الكتابة.

وعرضها هاريس على المتحف البريطاني، وحين تُرجمت البردية، وُجد أن من أمر بكتابتها هو رمسيس الرابع، ابن رمسيس الثالث وخليفته المختار، وهي تؤرخ عطايا هذا الملك الهائلة من الأراضي، والتماثيل الذهبية، والمنشآت الهائلة لمختلف معابد مصر، إضافة إلى يوميات القصر الملكي في عصر رمسيس الثالث، كما أن البردية مسجل عليها المؤامرة التى تعرض لها الملك رمسيس الثالث بـ"مؤامرة الحريم".