الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فيروزة لبنان

منى أحمد
منى أحمد

ليس غريبا أن يصادف العيد الوطني للبنان عيد ميلاد المطربة الكبيرة فيروز، فهي الحلم  الذي وحد أبناء هذا البلد من مسلمين سنة وشيعة ودروز إلى مسيحيين مارونة وكاثوليك وأرثوذكس.

شكلت الساحرة جزءا من هوية ووجدان لبنان، ويعتبرها اللبنانيون حضن الوطن، فقد وحدتهم موهبتها، فلا قاسم مشترك يجمع بينهم رغم انقسامهم السياسي والطائفي أكثر من صوت فيروز.

لبنان الذي يحل عيده الوطني هذه الأيام يمر بأضعف حالاته، فالبلد يغرق في مشهد سياسي هش وممزق، ووضع اقتصادي ومالي منهار صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ عالميا، ومرحلة توصف بالأخطر بعد فترة الحرب الأهلية في تاريخ لبنان السياسي. 

ومع عيد استقلال لبنان، لا أجد أجمل من فيرزوته رمزا لإحياء ذكرى هذا البلد الجريح، فاللبنانيون يكفيهم فخرا إذا سألوا عن هويتهم يقولون: “نحن من لبنان وطن فيروز”، فهي صوت الوطن.

جارة القمر التي رسخ صوتها للهوية الوطنية، فلم تكن اللهجة اللبنانية قبل فيروز من اللهجات الدراجة في الوطن العربي، لكن مع سفيرة لبنان اكتسبت المفردات اللبنانية بعدا عربيا، وأصبحت فيروز رمزا وطنيا لكل مواطن لبناني بل وعربي من المحيط للخليج.

صوتها ملائكي كما وصفه الموسيقار محمد عبد الوهاب، ورغم تعاونها معه ومع زياد الرحباني وغنائها أعمال الموسيقار سيد درويش في مرحلة متقدمة من مسيرتها الفنية، إلا أن تعاونها مع منصور وعاصي الرحباني أعاد صياغة موهبتها الكبيرة.

فقد اكتشف الأخوان رحباني قدرات صوتها وتفاصيله وطبقاته، فطوعا الجمل اللحنية لتناسب الطاقة الصوتية الجبارة، فاجتمعت العذوبة الفيروزية بإبداع الرحبانية وتعاون يفرز لنا مدرسة فريدة في الغناء العربي، تم فيها المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والألوان الفلكلورية اللبنانية في الموسيقى والغناء.

وكما طوع الرحبانية ألحانهم لتناسب مقام الصوت الثري رفيع المستوى، لونت الست فيروز الألحان بتغريدها وبصمة صوتها الذي لا تخطئه أذن، فكانت بدورها تعيد صياغة اللحن على طريقتها الفيروزية، فتتشكل تلاوينه اللحنية في قالب ساحر لم يتكرر حتى الآن، وتصبح أعمالهم جزءا لا يتجزأ من التراث الوطني وحالة متفردة من الإبداع. 

ومن الأخوين رحباني، انتقلت فيروز إلى جيل آخر وألحان زياد الرحباني، الذي كانت هويته الموسيقية مختلفة تماما عن والده وعمه، فقد اتجه للمزج بين الموسيقى الغربية والشرقية، وظهر ذلك جليا  مع أول لحن له “سألوني الناس”، وكان عمره وقتها لا يتجاوز الـ18 عاما، فاستعان بآلات غربية وتوزيع مبدع غير مألوف، وجاءت ألحانه لتشكل فصلا جديدا في مسيرة الأرزة.

رغم توقف فيروز عن الغناء وابتعادها عن الأضواء، إلا أن صوتها لا يزال يضوي ويرافق محبيها عبر العالم. 

كل سنة والست فيروز آخر جيل أساطير العصر الذهبي للموسيقى العربية في القرن العشرين، وصوتها الساحر يحمل إلينا السعادة والإشراق والأمل.