الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طرح الفكرة كان تطرفا.. قصة نضال النساء للتصويت بالانتخابات منذ 127 عاما

قصة نضال النساء للتصويت
قصة نضال النساء للتصويت بالانتخابات منذ 127 عام

"طرح فكرة منح حق تصويت المرأة في الانتخابات فكرة متطرفة وهرطقة، ومن قامت بذلك من هن خلسة تم محاكمتها" .. هكذا يخبرنا التاريخ، أن الواقع الحالي في مشاركة المرأة بالانتخابات الذي نعتبره أمرا طبيعيا، إلا أنه جاء بعد نضال عصيب خاضته النساء في العالم أجمع.

وكانت بداية إعطاء حق المرأة بالتصويت قبل 170 عاما، وتحديدا في 28 نوفمبر 1893، ثم بدأت الفكرة تنتشر حول العالم بشكل محدود، وذلك حتى جاءت الحرب العالمية الأولى، ومساهمة النساء مع الرجل في ميدان الحرب، وهو ما غير مفاهيم وعقول الرجال وإدراك أن المرأة قادرة على  المساهمة في بناء المجتمع داخل الساحات الحروب، فمن الأحرى أن تحصل على حقها في اختيار قياداتها والمشاركة معهم أيضا.

الحلم بدأ بجزيرة .. نيوزلاندا تفتح الأمل في 1893

ربما كانت بداية إعطاء حق المرأة للتصويت مع جزيرة مان – إحدى الجزر البريطانية في شمال غرب أوروبا – ولكن تم توثيق البداية الحقيقية في عام 1893، وذلك عندما منحت مستعمرة نيوزيلندا البريطانية – بالقرب من قارة استرالية - المرأة حق التصويت، ثم تبعتها مستعمرة جنوب أستراليا في نفس الشيء في عام 1894، وتمكنت المرأة من التصويت في الانتخابات التالية التي عُقدت في عام 1895، كما سمحت جنوب أستراليا للنساء بالترشح للانتخابات إلى جانب الرجال.

وفي عام 1899، شرعت أستراليا الغربية حق الانتخاب الكامل للمرأة، مما مكن المرأة من التصويت في الاستفتاء الدستوري في 31 يوليو 1900، وفي انتخابات الولاية الاتحادية لعام 1901، في عام 1902 حصلت النساء في المستعمرات الأربعة المتبقية أيضا على الحق في التصويت والوقوف في الانتخابات الاتحادية بعد اتحاد المستعمرات الأسترالية الستة لتصبح كومنولث أستراليا. 

الفكرة اعتبرت متطرفة .. بداية النضال في منتصف الـ19

وعن بداية طرح فكرة تصويت المرأة في الانتخابات، فلا تظن أنها كانت سهلة، بل كانت فكرة متطرفة، اتهم أصحابها في البداية بالهرطقة، والبداية كانت في منتصف القرن الـ19، وتحديدا في أربعينات القرن التاسع عشر، حينما انبثقت من حركة حقوق المرأة الأكبر. 

والظهور العلني لتلك الفكرة داخل مناسبة رسمية، كان في مؤتمر خاص بالنساء، وهو "مؤتمر سينيكا فولز"، والذي تم فيها توقيع أول اتفاقية حقوق مرأة بشكل عام، ولكن خلال المؤتمر تم تمرير تقريرا لصالح حق المرأة في التصويت وذلك في عام 1848، ولاقت الورقة في البداية معارضة بعض منظمي المؤتمر، والذين اعتقدوا أن الفكرة كانت متطرفة للغاية، ولكن بحلول أول مؤتمر قومي لحقوق المرأة جرى عقده عام 1850، أصبح حق المرأة في التصويت جانبا مهما من نشاطات الحركة.

وظلت الفكرة كمحور جانبي من محاور مؤتمرات النساء إلى حين تم تأسيس أول منظمات قومية منفردة خاصة بدعم حق المرأة في التصويت في 1869 عندما تأسست منظمتان متنافستان، أحدهما بقيادة سوزان أنتوني وإليزابيث كادي ستانتون والأخرى بقيادة لوسي ستون، وبعد سنوات من المنافسة، اندمجتا في 1890 في صورة المنظمة القومية الأمريكية لحق المرأة في التصويت تحت قيادة سوزان أنتوني. تأسس اتحاد النساء المسيحي المعتدل (والذي كان أكبر منظمة نساء في ذلك الوقت)، وفي 1873 والذي تبنى أيضا قضية حق المرأة في التصويت، والذي أعطى دفعة قوية للحركة.

السجن لمن حاولت التصويت بالانتخابات 

ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن هي أول دولة تعطي حق المرأة للتصويت، إلا أنها كانت ساحة معركة نسائية كبرى للحصول على هذا الحق، وبعد انتهاء مرحلة المؤتمرات لطرح الفكرة، جاء موعد الدخول عمليا على أرض الواقع لتنفيذها، وبالفعل حاول داعمو حق المرأة في التصويت في سبعينات القرن التاسع عشر التصويت وقدموا دعاوٍ قضائية عندما تم منعهم. 

وعندما نجحت أنتوني في التصويت عام 1872، كان الأمر كارثة داخل المجتمع، وتم إلقاء القبض عليها وحُكم عليها بأنها مذنبة في محاكمة نالت متابعة واسعة من العامة والتي أعطت زخماً جديداً للحركة، خصوصا بعد أن حكمت المحكمة العليا للولايات المتحدة ضدهم في عام 1875.

بعدها بدأ داعمو حق المرأة في التصويت حملة استمرت عقودا دعت إلى تعديل في دستور الولايات المتحدة لينص على حق التصويت للنساء، إلَّا أن معظم مجهودات الحملة تركزت على اكتساب الحق في التصويت في كل ولاية على حدى.

المرأة انتزعت حقها في الولايات المتحدة عام 1920 

وفي خطوة كبرى بطريق النضال للحصول على حق التصويت، قامت سيدة أمريكية تدعى أليس بول بتأسيس الحزب الوطني للمرأة عام 1916، وهي منظمة ركزت على التعديل القومي لحق المرأة في التصويت، وكانت حلقة قوية في جهود المرأة ومناصريها بانتزاع حقوقهن، وتم إلقاء القبض على أكثر من 200 عضو من الحزب الوطني للمرأة في 1917 أثناء إضرابهم أمام البيت الأبيض، والذين قام بعضهم بالإضراب عن الطعام وتعرضوا للإطعام القسري بعد إرسالهم إلى السجن.

بعد سلسلة ملحمية من التصويتات في كونغرس الولايات المتحدة وفي تشريعات الدولة، أصبح التعديل التاسع عشر جزءا من دستور الولايات المتحدة رسميا في 26 أغسطس 1920، وذلك عندما نص التعديل على أن «لن يتم حرمان مواطني الولايات المتحدة من حقهم في التصويت أو اجتزائه بواسطة الولايات المتحدة أو أي ولاية بناءً على الجنس».

أوروبا قبل أمريكا وهكذا انتشرت الفكرة بعد الحرب العالمية 

أما عن أوروبا، فقد كانت أول دولة أوروبية تقدم حق الاقتراع للمرأة هي دوقية فنلندا الكبرى، ثم جزء من الإمبراطورية الروسية، التي انتخبت أول امرأة في العالم كعضو من أعضاء البرلمان في الانتخابات البرلمانية لعام 1907، وأعقبتها النرويج في منح المرأة حق الاقتراع الكامل في عام 1913.

وقد سنت معظم البلدان المستقلة حق الاقتراع للمرأة في حقبة ما بين الحربين العالميتين، بما في ذلك كندا في عام 1917، وبريطانيا وبولندا في عام 1918، والولايات المتحدة في عام 1920، حيث غيرت الحرب العالمية الأولى المزاج الشعبي، وأوقفت مساهمة المرأة في المجهود الحربي فكرة النقص البدني والعقلي للمرأة، وجعلت من الصعب الإبقاء على أن المرأة غير صالحة للتصويت. 

وكانت مشاركة المرأة بقوة في الحرب وقدرتها على العمل في مصانع الذخائر، شرارة قوية لطرح فكرة أنه من غير الملائم وغير المنطقي حرمانها من مكان في كشك الاقتراع، ولكن التصويت كان أكثر من مجرد مكافأة للعمل الحربي، وكانت النقطة هي أن مشاركة المرأة في الحرب ساعدت على تبديد المخاوف من دخول المرأة المحاصرة إلى الساحة العامة.