الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التنمية السيناوية والحرب الروسية

نهال علام
نهال علام

ومرّ العام.. ولكنه أبى أن يمر مرور الكرام، لأنه من اللئام ممن ينثرون الشوك ويحصدون الآثام، فكيف لمن يرضى أن يضع نصل الراء في ضلع الحاء والباء أن يكون لك فيه رجاء، فهذا عام الحرب الذي لم يجعل للحب مكان، ولعل بداية أوزار الحرب في شهر الحب هو أول انكار لشرعية تلك الحرب، فكل أطرافها صبية مختالون، بما لديهم من شعارات مجوفة مدانون، وستختصمهم الإنسانية يوم لا يشفع مالٌ ولا بنون.

 

أتذكر تلك الحلقة التي استضفت فيها منذ عدة شهور أحد الفلكيين الذي تنبأ باستمرار الحرب للمزيد من الشهور والشهور، وإن كان يقيني أن كذب المنجمون ولو صدفوا، لكن قناعتي أن توقعه أصاب قلب الحقيقة، فذلك يمكن استشرافه بقراءة الأحداث برؤية دقيقة، فما يحدث في العركة الروسية الأوكرانية، لاتنطبق عليه مواصفات الحرب ولا يندرج تحت بند النزاع ولا يرقى لمراتب الخلاف ولا يمكن وضعه في منزلة الصراع.

 

مشهد عبثي غير نمطي وإن كان متكرراً، فهو يشبه ما حدث في حرب الخليج وإن اختلفت تأثيراته العالمية لاختلاف أطراف القضية، حتى وإن كانت العراق مصدر عامر بالبترول، والكويت تماثلها لكن تظل دول ليس لها مساهمات استراتيجية عالمية غير أنها مصدرة لمادة نفطية تقوم عليها اقتصاديات تلك الدول بذاتها، لذا فالنزاع لا علاقة له بكيف تدار المصالح، وما يريده الغرب نافذ.

 

أثار ما نطلق عليه رمزاً بالحرب أثار قوية، تداعياتها طالت كل دول العالم بالأغلبية، وويلات ذلك العبث سقط رأساً على رأس الدول الأوروبية، وبالرغم من ذلك لم تتوانى عن دعم أوكرانيا بالسلاح والدبابات ولم يرضي ذلك زيلينسكي الذي يطلب المزيد من الصواريخ المضادة للطائرات، ولكن الشعوب ضجت والحاجة جعلت الناس آنت، ولا يلوح في الأفق ما يبشر برأب صدع الغلاء فالحكومات تدير الأمور بالمزيد من الغباء، وكأن كل تلك الدول متعطشة للمزيد من الدماء، لذا خرج الأوروبيون في العديد من بلدانهم لشجب المساعدات والتنديد بفواتير الطاقة والشكوى من مقصلة الحرب بعد أن لم يعد لديهم المزيد من الطاقة لتحمل ذلك التصعيد الذي يتعالى وهجه كالشهب البراقة.

 

مشهد يعجز المرء عن تخيل المخرج منه، وخاصة مع تدخل ماما أمريكا فيه، فهي الأم الرئوم والراعي الرسمي للقب المرحوم في كل دولة يزورها طيفها الحنون، فهى ترعى السلاح لتضمن الهيمنة ولا تبالي بالإنفاق على التسليح أرقاماً طائلة ما دامت ستبقى دولارياً مسيطرة، وبالعودة للتاريخ نجد أنه مع كل ولاية رئاسية أمريكية تبدأ بؤرة صراع حصرية، ليقترن اسمها باسم رئيس الولايات المتحدة التي تسطر للعالم الفُرقة، تطبيقاً لمبدأ فَرق تسُد وعليك المكاسب تعُد.

 

وتلك الأحداث ليست مصرنا بمنأى منها، فهي نيران مستعرة طالت أخضر الأمل ويابس العمل، وفاتورة الحرب علينا مضاعفة، فلازلنا نترنح من الضربات المتتالية على مدى ما يزيد عن عشر سنوات متعاقبة افتتحناها بمشكلات متراكمة على مدى عقود متراتبة وزيادة سكانية بمعدلات غير اعتيادية، مما انعكس على الأسعار التصاعدية ومخاوف رجال الأعمال من ظروف العالم الضبابية وبالتالي تأثر الفرص الاستثمارية على عكس ما تشتهيه السفن، وخاصة أن اقتصادنا في مرحلة جديدة يعد فيها من الاقتصادات الناشئة والواعدة ولكن يتطلب ذلك الاستقرار للحفاظ على معدلات النمو وضمان الاستمرار.

 

ولكن لأنها مصر التي تخرج عن المتوقع، ودائماً ما تفاجئ العالم بما لم يتوقع، فبالرغم من كل التحديات المحيطة بها إلا إنها استطاعت أن تتعامل مع أزماتها سواء بتوازن العلاقات الخارجية وإدارة الأمور الداخلية، واستعادة الرباط مع الأشقاء في الدول العربية، والسعى نحو السلم على كل المستويات الدولية، بل ويمتد الأمر أيضاً لتنمية شاملة في بقعة كانت مسرحاً للأعمال الإرهابية، امتزج ترابها على مرّ السنوات بدماء شهدائنا الذكية، إنها أرض الفيروز السحرية.

 

وبينما تصطف الدبابات والطائرات في الجانب الآخر من العالم استعداداً للمزيد من التدمير والهدم والخراب، شهد الرئيس اصطفاف الآلات والمعدات إيذاناً ببدء التعمير والتنمية والعمران في سيناء، في الوقت التي ترصد فيه أمريكا ودول الناتو والدب الروسي أرقاماً مليارية لتحقيق معدلات أعلى من حصاد الأرواح البشرية، تخصص مصر ٥٠ مليار جنيه للارتقاء بالإنسانية وإعادة الحق لأهله الذين صبروا سنوات طويلة على الإرهاب الأمني والتهميش المجتمعي والاتهامات الجاهزة بالتخوين لأهالي القبائل التي طالما كانت في فوهة التضحيات وابنائها هم أول الشهداء.

 

أمرين لا أستطيع تفهم أسبابهما، أولهم تعطش العالم الشره للدماء ولكن ما ربت على قلبي ببعض السلام ما يحدث في سيناء سعياً للرخاء، والأمر الثاني الذي عجزت عن فهمه هو صياح البعض بأن مشروع تنمية سيناء ليس وقته! فإذا كان العالم يقتطع من قوته للتباهي بقوته، إذاً من الأولى أن يقتسم المرء لقمته مع أبناء وطنه، وخاصة إذا كان الحصاد ونهر الخيرات سيتدفق في جميع ربوع الجمهورية فلم الأنانية!

 

عالم مهووس بتدمير البنى التحتية واتحدت معه الظواهر الطبيعية، فلماذا لا نبتهج أننا لدينا قيادة سياسية مشغولة بالتنمية، وإذا تخيلت أن تلك الأموال إذا ضخت في الدعم وتخفيض وهمي للأسعار فهذا سيعمل على الاستقرار، فذلك سيكون بمثابة مسكن لمريض يتداعى بعد أن ينتهي مفعوله سريعاً سيتهاوى، فعلاج المرض ليس بالمسكنات ولكن بالعلاج الحقيقي لما سببته الأزمات المتلاحقة من صعوبات وتحديات.

 

ولندعو الله ألا تصدق توقعات الفلكي باستمرار الحرب لسنوات، ويطُل حل رشيد في رأس العالم العنيد، وإن كان في ظني أنه لا مخرج من هذا النزاع المجحف إلا من خلال مسارين الأول أن تتصاعد وتيرة النزاع بصورة كبيرة مع تدخلات لأطراف جديدة فينتهي الأمر بخسارة أو مكسب فعلي على أرض الحقيقة، وذلك له فاتورة فادحة وبمثابة إعادة تشكيل للكرة الأرضية من جديد، وأتمنى أن يكون ذلك حل بعيد، رغم أن التكتلات والتحالفات التى يشهدها العالم الآن قد تبدو مقدمة لذلك التصاعد المرتقب للوصول لنقطة الذروة في منحنى الحرب حتى يصحح مساره ويبدأ في التراجع.

 

أما المسار الثاني وهو يبدو عقلاني أن تلك القلقلة قد تنتهي بنهاية ولاية الرئيس بايدن، وظهور مرشح آخر هو الحل الذي يحفظ ماء وجه جميع الأطراف بالمواءمة والموازنة والتنازلات، وذلك لا يمكن أن يقدم في عهد بايدن الراعي الرسمي لتلك المناوشات والمؤمن بوجوب التصعيد وحشد المقاتلات.

 

وحيث أننا لا ناقة لنا ولا شاه في ذلك العبث الشيطاني بين قادة القارة العجوز وأمريكا التي تعشق الحرب الضروس والجانب الروسي الذي لن يقبل إلا بمد النفوذ، فالأمر لله الذي عليه التدبير طالما العبد يحسن التفكير، ولا أظن أن خطاب التعمير وسبل التخضير ورسالة التقدم قد تؤدى إلى آي طريق إلا الازدهار، وسيناء المقدسة بالأنبياء والرسالات السماوية ولم يتجلى الله إلا فيها منذ بدء البشرية، آن لها أن يزهر رملها حياة تنبع من قلب الشهداء الذين روا الأرض بأرواحهم.

 

خطوات التنمية في أرض الذهب سيناء التى تنطق أرجائها بحكايات لها العجب هي رسالة للعالم، أن الحرب ضرورة للقضاء على الإرهاب وليست عرفاً بين الدول الذي من المفترض أن يجمعها التفاهم والاخاء، ولنتذكر كلمات آرييل شارون للممثل المصري بعد حرب أكتوبر عندما سأله وماذا ستفعلون في سيناء بعد استردادها؟ فأجاب الطرف المصري سنعمرها، فأردف شارون متعجباً وهل ستسمح إسرائيل بذلك؟ لذا فإن اصطفاف المعدات لا يقل فخراً عن اصطفاف الدبابات، وإذا كانت حرب أكتوبر هي العبور الأول فالتنمية هي العبور الثاني، دون عداء ولا نقطة دماء يتورط فيها الأبرياء، إنها موائمة الدبلوماسية المصرية الناعمة وقوتها العسكرية الغاشمة في ضرب يد الإرهاب دون المساس بجسد الوطن.

 

لذا هنا من مصر نطلق صلوات العمل من أجل الحياة لعلها تصل لقادة العالم أن ترحم الشعوب التي لا تنام، فمطرقة الغلاء، والتهديد بسخاء بمزيد من البطالة لهو ابتلاء على رأس شعوب وإن اختلفت ألسنتها لكن في المحنة كلنا سواء، ولتكن الرسالة من أرض السلام سيناء الغالية مهد الأديان التي ما أتت إلا للتأكيد على قيمة الحب وفداحة الحرب، لعل نصل الراء يتراجع ولا يمُر العام إلا ونحن بمحبة وسلام.