الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم عمل الفدية خارج الحرم في موسم الحج.. دار الإفتاء ترد

الحج
الحج

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "ما حكم ذبح دم الفدية خارج الحرم؟ حيث عزم أحدُ الأشخاص على الحجَّ هذا العام، والسؤال: إذا وجب عليه دمُ الفدية بسبب ارتكاب محظورٍ من محظورات الإحرام، أو ترك واجب من واجبات الحج؛ هل يجوز ذبحه خارج الحرم، وفي بلده تحديدًا؟


وأجابت دار الإفتاء، أنه يجوز شرعًا لمَن وجب عليه دمُ الفدية بسبب ارتكاب محظورٍ من محظورات الإحرام، أو ترك واجب من واجبات الحج؛ أن يذبح الهدي خارج الحرم؛ سواء في بلده أو غيره.


أسباب وجوب الفدية على الحاج

 

وذكرت أن الحج من شعائر الله تعالى المشتملة على العديد مِن المناسك والقربات، المتنوعة في مقاديرها وصفاتها وطرق أدائها، ولَمَّا كانت أحوال الحجاج في أدائها تختلف باختلاف قدراتهم على تحمل مشقتها، ونظرًا لكثرة ما يكتنفها من الأحكام والأعمال، وتحديدِ كلِّ شعيرةٍ بوقتٍ وصفةٍ ومكانٍ؛ فإن الحاج قد يَعرض له ما يمنعه من إتمام بعضها، أو يقع في شيء من محظوراتها؛ ولذا أَوْجَبَ اللهُ تعالى الفديةَ جبرانًا للنقص وجزاءً لارتكاب المحظور.

وتختلف هذه الفديةُ باختلاف سبب وجوبها:

- فمنها: ما يجب بسبب ارتكاب أحد محظورات الإحرام: كحلق شعر الرأس، وقص الأظافر؛ سواء كان ذلك لعذر، أو لغير عذر؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]. والنسك: الفدية بدم.

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ به زمنَ الحديبية، فقال: «قَدْ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «احْلِقْ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح"، وأبو داود في "السنن"، والطبراني في "الكبير"، وابن حبان في "الصحيح".

وأجمع العلماء على أن الفدية واجبة على مَن أتى بموجبها؛ قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 239، ط. أوقاف المغرب): [وأجمعوا أن الفدية واجبة على مَن حلق رأسه مِن عذر وضرورة، وأنه مخيَّر فيما نص الله ورسوله عليه مما ذكرنا] اهـ.

وإذا كانت الفديةُ واجبةً على المعذور في ارتكاب المحظور؛ فَلَأَنْ تكونَ واجبةً على غير المعذور في ارتكابه مِن باب أَوْلَى.

- ومنها: ما يجب بسبب التعدي على الصيد: وهو الجزاء؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: 95].

- ومنها: ما يجب بسبب الإحصار: وهو تعذر الوصول لمكة لأداء النسك بعد الإحرام به بسبب العذر؛ مِن نحو مرض أو صعوبة طريق؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196].

- ومنها: أنَّ مَن ترك واجبًا من واجبات الحج فلا يجزئه -عند القائل بأن المتروك واجبٌ- إلا الدم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ؛ فَلْيُهْرِقْ دَمًا" أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، وابن وهب في "الجامع"، والبيهقي في "السنن" و"معرفة الآثار" واللفظ له.

 

آراء الفقهاء في مكان ذبح دم الفدية


قد اختلف الفقهاء فيما يجزئ مِن مكان ذبح دم الفدية إذا كان هذا الدم قد وجب عليه بسبب ارتكابه محظورًا من محظورات الإحرام، أو تركه لواجب من واجبات الحج.

-فذهب الحنفية والشافعية في المعتمد إلى أن محل الذبح هو الحرم؛ لأن المقصود الأعظم من ذلك هو إكرام المساكين فيه وسد حاجة ساكنيه، ولأن الهدايا ونحوها من الفدية والكفارات شُرِعَت لتَبلُغ البيت الحرام تعظيمًا له وتشريفًا، وصِلَةً بأهله ومَن في جواره؛ فكان مقصودًا بعينه دون غيره، وهو ما يدل عليه ظاهر النصوص؛ كما في قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196]، وقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: 95]، وقوله جَلَّ شأنُه: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 33].

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".

وفي رواية: «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» أخرجها الإمام أحمد في "المسند"، والدارمي وابن ماجه والبيهقي في "السنن".

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى البَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ" متفق عليه. فدل على أن مكان الذبح هو الحرم.

- وأجاز الشافعية في مقابل الأصح الذبح خارج الحرم؛ وذلك بشرط أن يفرق اللحم في الحرم قبل تغيُّره:

مذهب الحنابلة في مكان ذبح دم الفدية لمَن ارتكب شيئًا مِن محظورات الإحرام
-ذهب الحنابلة إلى أنَّ كلَّ إطعامٍ يتعلق بالحرم؛ فإنه يجب ذبحه في الحرم، لكن مَن استباح شيئًا مِن محظورات الإحرام في الحِلِّ؛ فإنه يُجزئه ذبح دم الفدية خارج الحرم، وذلك في مكان استباحة المحظور لا في غيره، وأما الدم المترتب على ترك الواجب؛ فلا يجزئ ذبحه إلا في الحرم.

وقيَّد بعضُ فقهاء الحنابلة جوازَ الذبح في محل ارتكاب المحظور: بأن يكون المُحْرِمُ قد استباحه لعذرٍ، فإن كان قد استباحه لغير عذرٍ؛ فإنَّ ذَبْحَهُ يختص بالحرم.

كما أن هذا مقيدٌ في الصحيح من الروايتين عندهم بتحقق المقصود منه؛ وهو وصوله إلى مساكينه ومُحتاجيه، فإذا لم يقدر الحاجُّ على إيصاله إليهم لأيِّ سببٍ كان؛ جاز له أن يذبحه في غير الحرم ويوزع لحمه على المساكين من قاطني مكان الذبح ومرتاديه.

مذهب المالكية وقول عند الحنفية في مكان ذبح دم الفدية
-ذهب الحنفيةُ في قولٍ، والمالكيةُ: إلى أن دم الفدية يجوز ذبحه خارج الحرم مطلقًا بلا قيد، ولم يفرقوا في ذلك بين أن تكون استباحةُ المحظور لعذرٍ أو لغير عذر، كما لم يخُصُّوا الذبح بمكانٍ دُون مكانٍ؛ بناءً على أنَّ الذبح هنا نُسُكٌ وليس بهدي، والنُّسُكُ يذبحه حيث شاء.

وذكرت دار الإفتاء، أن المختار للفتوى في حكم ذبح دم الفدية خارج الحرم، هو الأخذ بجواز ذبح الفدية خارج الحرم هو الأوفق في زماننا لمقاصد الدين، والأرفق بحاجة المساكين على العموم دون تخصيصِ مكانٍ أو زمانٍ؛ فإنَّ المرادَ من هذه الدماء الصدقةُ وإطعامُ لحومها للمحتاجين، وإشباع الجائعين، وجبر الفقراء والمعوزين، وإلى هذا المعنى يشير قول الله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكرُونَ ۝ لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 36-37].

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا وجب على الشخص المذكور دمُ الفدية بسبب ارتكاب محظورٍ من محظورات الإحرام، أو ترك واجب من واجبات الحج؛ فإنه يجوز شرعًا ذبحه خارج الحرم؛ سواء في بلده أو غيره.