الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم شعبان يكتب: نصر أكتوبر.. 50 سنة وإسرائيل تراجع نفسها

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

مع كل عام، وفي الذكرى السنوية لنصر أكتوبر 1973 أشعر بالفخر لما حققه الجيش المصري قبل 50 عامًا، عندما وضع نهاية للأسطورة التي لا تقهر، وكان هذا يتردد على نطاق واسع آنذاك منذ هزيمة 1967، واحتلال الجيش الإسرائيلي لأراضي عدة دول عربية منها سيناء في مصر وهضبة الجولان في سوريا، والضفة الغربية لنهر الأردن واحتلال قطاع غزة. 


ويزيد الفخر والإحساس بالنصر، عندما تتحرر في كل عام ومع هذه الذكرى السنوية العديد من الوثائق الرسمية الإسرائيلية، وقت الحرب وكيفية حدوث الهزيمة التي كانت صاعقة وسقطت على رؤوسهم، وغيرت مفاهيم استراتيجية عاشوا بداخلها منذ نكبة 1948.


نصر أكتوبر أو يوم كيبور، أو حرب يوم الغفران وفق التسمية الإسرائيلية، لم تكن فقط نصرًا عسكريًا مصريًا مزلزلاً لإسرائيل، ولكنه أصبح عارا يلاحق للأبد، القادة الإسرائيليين الذين عايشوا هذه الأحداث وتجرعوا هذه المرارة، ولاتزال إسرائيل وعبر الإفراج عن مزيد من الوثائق الرسمية الخاصة بالحرب سنويًا، تراجع لحظة الهزيمة، وكيف دارت الاتصالات بين قادتها سواء في الحكومة، وعلى رأسها جولدا مائير أنذاك ووزير الدفاع الإسرائيلي الشهير موشيه ديان، أو مع جهاز الموساد الإسرائيلي وباقي الجنرالات الإسرائيليين.


ما حدث في أكتوبر 1973، كان ضربة هائلة لم يتخيلوها ولم ينتظروها أبدا لأنهم ظلوا طوال 6 سنوات بعد حرب 1967، يتعاطون الغرور وأن الجيش المصري لن يقدرعلى عبور سيناء، وإنهم هندسوا أوضاعا عسكرية وحصون، وأقاموا خط بارليف وغيرها، ما يصعب اختراقها عسكريًا.
وذهبت كل هذه الحكايات والأوهام، أدراج الرياح يوم 6 أكتوبر، يوم النصر المشهود للجيش المصري البطل، الذي شن هجوما واسعًا على القوات الإسرائيلية بالتزامن مع شن الجيش السوري هجومًا في نفس الوقت، على مرتفعات الجولان السورية.


المثير إنه وفي الوقت، الذي لم تفرج فيه مصر أو سوريا بعد عن وثائقهما الرسمية الخاصة بالحرب وفقا لقوانين السرية في كل دولة، فإن إسرائيل أسهبت في ذلك لمراجعة نفسها وخططها وما حدث، وفي الذكرى الـ50 الحالية، أفرجت عن الكثير ولاتزال تراجع كيف حدث العار، وكيف سقط آلاف القتلى والجرحى الإسرائيليين، وكيف عبر الجيش المصري قناة السويس وخطط للحرب بذكاء كل هذه السنوات ومارس عملية خداع إستراتيجي، أعماهم عن الحقيقة حتى ساعة الحرب نفسها.


وفي الذكرى الـ50 لنصر أكتوبر 1973، نشرت إسرائيل، محتويات 1400 ملف للوثائق، وقرابة 2000 صورة وتسجيل صوتي ومقطع فيديو، وأكثر من 250 ملاحظة مختصرة، كما تم الكشف عن يوميات مكتب جولدا مائير، رئيسة الوزراء في ذلك الوقت، وأصدر جهاز الموساد ولأول مرة في تاريخه كتاباً، بعنوان "يوماً ما... حين يكون الحديث مسموحاً". تطرق فيه إلى الأحداث آنذاك وتعامله معها.


الوثائق الإسرائيلية المنشورة، كشفت أن تل أبيب فوجئت بالحرب نتيجة إهمال المسؤولين، الذين سيطرت عليهم الفرضية الخاطئة بعد 1967، ومفادها أن العرب المنهارين بعد النكسة، لن يجرؤا على محاربة إسرائيل، وكان هذا الخطأ الذي دفعوا ثمنًا باهظا له من حياتهم، وحياة جنودهم.
المفارقة أن إسرائيل، التي سارعت فور هزيمتها في أكتوبر 1973، إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية عرفت بلجنة "إجرانات" انتهت إلى تحميل القيادات العسكرية مسؤولية الهزيمة، لم تراجع أبدا وطوال 50 سنة السياسة الرسمية لدولة إسرائيل وتوجهاتها، ولم تناقش علنا مدى فائدة التمسك بسياسة "الاحتلال والإبقاء على الأراضي" وضررها على إسرائيل، وهذا لا يزال خيارًا قائما، مهم مرت السنين.


صحيح أن، الأوضاع العربية متدهورة، لكن الحق باقٍ لا يضيع، وإن لم يحدث في الجيل الحالي، فقد يأتي جيل يقف بقوة أمام أطماع إسرائيل واستمرار احتلالها أراضٍ فلسطينية وسورية حتى الآن وإجبارها على الخروج منها.


نصر أكتوبر 1973، سيظل ملحمة كبرى في التاريخ العسكري المصري، ورغم مرور كل هذه السنوات فلا زالت الأسرار الكبرى للنصر لم تعرف بعد حتى لحظة الإفراج تمامًا وبعد انقضاء سنوات السرية على الوثائق المصرية والسورية الخاصة بالنصر، ووثائق كل الدول العربية التي وقفت آنذاك معهما، والوحدة العربية التي ضربت مثالا نادرا لم يتكرر ثانية خلال لحظة النصر الكبير.