الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد النومي يكتب: أصوات السلام وأصوات الحرب

أحمد النومي
أحمد النومي

وسط حمم النار في مدينة الأنبياء واستيعار نيران حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ورائحة الدماء التى تفوح من الحجر والشجر، تخرج أصوات من عواصم الغرب ترفع شجرة الزيتون_ "رمز السلام" _، وتنادى بإطفاء الحرائق وإنهاء المأساة، فمشاهد يوم القيامة التي يعيشها الفلسطينيون حركت ما تبقى من ضمير فى الغرب الرسمى، فبعد مظاهرات شعوبهم المتعاطفة مع الحق الفلسطيني ، بدت قلوب ساستهم تنبض بالخجل فى " أربعينية " غزة ،والتى خلفت أكثر من 12 ألف شهيد منهم نحو 5000 آلاف طفل .
أولى الأصوات المنادية بوقف شلالات الدماء جاءت من أمريكا، حيث وقع 100 موظف بالخارجية الأمريكية، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) على مذكرة تدعو إدارة جو بايدن إلى تغيير سياستها إزاء الحرب، وتقول إن إسرائيل ترتكب "جرائم حرب"، وتطالب كبار المسئولين إلى إعادة تقييم سياستهم تجاهها وسرعة وقف إطلاق النار في غزة،كما تتهم المذكرة بإيدن "بنشر معلومات مضللة في خطابه الذي ألقاه في بداية الحرب  "، وانتقدته  لـ"تشكيكه في عدد قتلى" الحرب في غزة.

نترك الخارجية الأمريكية وننتقل إلى مجلس النواب هناك، حيث وقع ٢٤ نائبا على بيان يدعو إلى وقف إطلاق النار، ويعرب عن قلقه إزاء "الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال" في غزة، ويحذر من أن الحرب بين إسرائيل وحماس تخاطر بجر الولايات المتحدة إلى صراع خطير وغير حكيم مع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة.
المفارقة أن هؤلاء النواب ينتمون إلى الحزب الديمقراطي_ الحزب الحاكم _ والمفارقة الأخرى أن عدد النواب لم يكن يتجاوز ١٣ نائبا في ١٦ اكتوبر الماضي، في دلاله على تصاعد موجات الرفض داخل حزب بإيدن .
النواب الديمقراطيين  لم يكتفوا بوقف إطلاق النار بل ومنع نقل معدات القنابل الموجهة بدقة بقيمة 320 مليون دولار إلى إسرائيل، بينما  وقع  أكثر من 400 مسئول أمريكى، يمثلون 40 وكالة حكومية، خطابا يحتجون فيه على سياسة بايدن إزاء إسرائيل.
فى ظني أن الأصوات الرافضة للحرب داخل الولايات المتحدة الأمريكية تتصاعد، وانتقلت من الميادين فى شكل الاحتجاجات الشعبية ،وتسللت إلى مراكز صنع القرار المختلفة ، وهو ما يعكس تحول في الموقف الامريكى الرسمي الداعم لإسرائيل فى الحرب .
ننتقل الى القارة العجوز التى  شهدت  حالة من التخبط مع التناقض بين المطالب الشعبية بوقف الحرب وموقف الحكومات الداعم لإسرائيل والتابع لأمريكا ، وهو ما استغله قوى اليسار الاوروبى فى حشد الراى العام ضد سياسيات حكومات اليمين ، ومع طول امد الحرب بدأت أصوات تخرج تطالب بإنهاء المأساة ، منها تقديم ١٠ سفراء فرنسيين في بعض الدول العربية ، مذكرة مشتركة إلى رئيسهم "ماكرون" ، أعربوا فيها عن "أسفهم" لموقف بلادهم من التصعيد الذي يشهده قطاع غزة، والتحول المؤيد لبلادهم فرنسا إزاء إسرائيل، فى بادرة  دبلوماسية غير مسبوقة .
وفى النرويج تبنى البرلمان هناك مقترحا يطلب من الحكومة الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية "مستقلة"، على أساس أن يكون لهذا القرار "أثر إيجابي على عملية السلام" في الشرق الأوسط ، وتم تبني النص بأغلبية واسعة 
في مقابل أصوات السلام ، تخرج أصوات المهاويس من حكومة المتطرفين الإسرائيلية ،الراغبة  في "هولوكست" جديد فى فلسطين دافعة بالمنطقة إلى الهاوية ، منهم "تسلئيل سموتريش"   وزير المالية ، والذي يقترح مبادرة لإجلاء سكان غزة  طوعا إلى دول العالم  معتبره انه  الحل الإنساني الصحيح" لهم  وللمنطقة.
ومضى خطوة اكبر في طريق الوقاحة قائلا إنه سيتم تقديم دعم مالي دولي لتطبيق المبادرة ،                          مؤكدا أن بلاده ستكون جزءا من هذا الدعم، زاعما إنه لا جدوى من وجود قطاع غزة بشكل مستقل مالياً وسياسياً".
المجنون الإسرائيلي دعا إلى عزل الفلسطينيين في الضفة الغربية،وطالب رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" بإنشاء مناطق عازلة في الضفة الغربية، لا يدخلها العرب ، بينما هدد "عميحاي إلياهو" وزير التراث الإسرائيلي،   باستخدام القنبلة النووية مع سكان غزة ، ، فى حين دعت "تالي جوتليف" عضوة الكنيست، ، الجيش الإسرائيلي الى "الانتقام العنيف"، باستخدام  "صاروخ أريحا"، وهو صاروخ عابر للقارات وقادر على حمل رؤوس نووية ويصل مداه إلى أكثر من 6500 كيلومتر،بينما وصف  "يوآف جالانت"  وزير الدفاع الإسرائيلي، الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشريه ، بينما قال "أريل كارنر" عضو في الكنيست  "يجب أن يفهم الفلسطينيين أن نكبتهم لا زالت مستمرة وأنها ليس حدثا عابرا وانتهى بل أنهم سيواجهون الفصل الثاني من النكبة".
المثل الشعبى يقول إذا عرف السبب بطل العجب ، ولا عجب فى التصريحات الدموية الإسرائيلية ، فأحلام التوسع وفرض القوة على العرب هى عقيدة متوارثة فى العقلية الإسرائيلية ، ومعركة طوفان الأقصى أفقدتهم عقولهم_ إذا كانت هناك عقول،_، فالدين اختلط بالسياسة، والصهيونية الدينية تقود الدولة العبرية إلى الهاوية.
العقلية التى تدير المشهد السياسي الإسرائيلي لا تعرف أين المفر ولا إلى أين المستقر، فالتخبط سيد الموقف ، فلم يستطيعوا اجتثاث المقاومة الفلسطينية ، فحقائق التاريخ ترفض هذا الطرح المتطرف ، فالتاريخ يخبرنا أن الاستعمار لم يستطع إبطال ديناميكية حركات التحرر الوطني ، ومضى أكثر من أربعين يوما ولم تحقق إسرائيل الأهداف المزعومة من الحرب فلا قضت على قادة حماس ولا استردت اسراها، وليس لديها تصور لانهاء الحرب  .
الصراحة تقتضي القول أن القضية الفلسطينية تكسب كل يوما أرضا جديدا في الساحة الدولية وبدأت تفرض نفسها على الأجندة السياسية الدولية، وبدت أصوات السلام  ترتفع مع حشرجة أصوات الحرب .