الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كريمة أبو العينين تكتب: فوضى الثوابت

صدى البلد

فى خضم ما تشهده غزة من حرب إبادة بأيدي الصهاينة وحلفائهم ، قفز الى عقلي الكثير من التصريحات التى كال بها العالم المتحضر عند تعرض مصالحه وأفراده للخطر ، فبسرعة البرق تتواصل عبارات الإدانة والاستنكار وبالطبع مصحوبة بالأفعال وليس الأقوال فقط . 

هذا العالم الغربي الذى عايرنا دوما أبناء منطقة الشرق الأوسط بالتخلف والرجعية والاستعباد ؛ هو نفس العالم الذى انتفض عن بكرة أبيه عام ٢٠١٥ متجمعا بكل زعماءه يدا بيد واصفا قتل  طالب لمعلمه بإحدى الجامعات الفرنسية بالعار والإرهاب ؛ ويجب الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه انتهاك القوانين الدولية والقيم الإنسانية وتهديد حياة البشر .

 هو نفس العالم ونفس الزعماء والشخصيات التى دعمت ما يعرف بدولة إسرائيل فى حربها ضد شعب أعزل فى غزة ، وهى نفس القوى والرؤساء الذين اصطفوا جنبا الى جنب يشاهدون مجازر إسرائيل فى قطاع غزة بعين المراقبة والانتظار لنتائج نصر إسرائيل مع مدها بكافة أنواع الدعم وبالطبع على رأسه الدعم العسكرى ، تخيل هذا العالم اجتمع على بكرة أبيه فى مواجهة فئة قليلة كل ذنبها أنها تدافع عن أرضها وتحاول منذ ٧٥ عاما وربما أكثر أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من بقايا وطن كتب عليه الحزن والقهر منذ مجيء الصهاينة الى الأرض المقدسة. 

هذا المجتمع الدولى الغربى لم يحزنه رؤية اكثر من ٦٠٠٠ آلاف طفل قتلى ومثلهم عشرات الالاف مصابين ، هو نفس العالم المتشدق بالحرية المزعومة الذى أغمض عينيه وسد أذنه عن أنين الثكالى والمكلومين من فقدان ذويهم ، هو نفس العالم الذى جسده المدعو ستيوارت الذى هاجم بائع مصرى فى الولايات المتحدة وقال له صراحة قتل ٥٠٠٠ طفل فى غزة لا يكفي !!

 هو نفس العالم الذى يحشد قواه مع أوكرانيا لمواجهة روسيا ، وفى المقابل برضى بما خلفته العسكرية الإسرائيلية من دمار فى كل انحاء قطاع غزة ولم يترك شجرا ولا حجرا  ولابشرا الا واعتدى عليه باسم من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ؛ هو نفس العالم الظالم الذى حاصر ايلون ماسك مالك شبكة تويتر سابقا واكس حاليا ومنع عنه معظم وسائل ارصدته بحجب الإعلانات عن منصته لمجرد انه سمح بعرض البشاعات الإسرائيلية ضد غزة. 

وهو هو نفس العالم البغيض الذى اعطى أوامره لكافة وسائل التواصل الاجتماعي بحجب ما ينشر من بشائع المجزرة الإسرائيلية عن الظهور عبر الفيس وانستا جرام وتيليجرام مع إعطاء كل الحقوق للإسرائيليين وداعميهم فى نشر كل ما يرونه مفيدا لهم ولدولة إسرائيل المزعومة ، هو ياعزيزى القارئ نفس العالم المريض نفسيا بكراهية منطقتنا من أعطى حق التحدث عن مصير غزة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية عليها ، هو نفس العالم البغيض الذى يؤازر الصهاينة فى مخططهم الرامي الى تهجير أهل غزة الى سيناء وأهالي الضفة الغربية الى الأردن وبذلك تطوى صحيفة فلسطين الى الأبد .

 هو نفس المجتمع الغربي الذى صور لنا انسانيته تهتز وترتجف لوقوف طائر بالقرب من سلك كهربائى فى مدينة نيويورك الامريكية ويسارع لنجدة الطائر ويسخر كل القنوات لمشاهدة وقفته الإنسانية من اجل انقاذ طائر برىء ، هو نفس المجتمع بأشخاصه المرضى النفسيين بقهر منطقتنا والاستيلاء على خيراتها بعبارات رنانة مثل الحرية والديمقراطية والوقوف فى وجه طواغيت الحكم والسياسة ، هو نفس العالم الذى حدثنا عن القوانين الدولية والتشريعات القانونية وعن رفض العنصرية والحرص على حقوق المرأة وأن يعيش الأطفال فى سلام آمنين وأن يهنىء الكبار بما تبقى لهم من عمرهم ويعيشون فى سلام وأمان ، نفس من تغنوا بحقوق الانسان دوما هم نفس الأشخاص المرحبين بتدمير غزة واجتثاث شعبها من جذوره . 

هو نفس العالم ونفس الأشخاص التى تنطلق من مصطلح فوضى الثوابت فما تربيت عليه من معانى وقيم أصبح باليا ، وما نشأت عليه من أخلاقيات ما هو الا محض هراء ، الدفاع عن الوطن اصبح إرهابا ، قتل الأبرياء أصبح دفاعًا عن النفس ، انتهاك حرمة الأديان وقدسيتها صار يعرف بحرية الرأى والتعاطي ، حقوق الانسان بصفة عامة ليست متساوية فحق الإسرائيلي فى الحياة هو الأعظم والارقى ولا يوازيه حق  آخر ولا حتى حق الفلسطيني لا سمح الله فى الحياة آمنا مطمئنًا. نحن نعيش عصر "فوضى الثوابت " ذلك العصر الذى اختلطت فيه قيم العدل والمساواة والحرية وأصبحت تفسر وفق المرحلة ووفق الأشخاص ومدى تربعهم على عرش الكرة الارضية الظالم لكل ماهو فلسطينى وعربى حر .


فوضى الثوابت التى نعيشها لن يواجها ويقضى عليها الا جيل يعى ويستوعب ما يدار له من مكائد وخطط لاجتثاثه من هويته العربية والزج به فى غلاف وهمى يسمى الديمقراطية الغربية. فوضى الثوابت صناعة انجلو أمريكية ولكن القضاء عليها صناعة عربية ظهرت على ايدى فئة قليلة تحارب العالم المريض نفسيا الذى تتزعمه عصابة نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية. فوضى الثوابت سيواجه فى قلب الدول التى صنعته والتى هبت عن بكرة ابيها تشاهد الهمجية الممنهجة فى غزة من قتل ودمار واستيلاء على مقدرات وممتلكات الشعب الفلسطيني ، فوضى الثوابت تثبت مقولة تاريخية تؤكد فى فحواها ان الظلم مهما طال زمنه الا انه راحل لامحالة .

 فوضى الثوابت يجب الا تثنيك عزيزي القارئ عن الوقوف بكل ما أوتيت من قوة فى وجه من يسلبون منك مقدراتك وقدراتك بمزاعم وعبارات مطاطة خاوية ، فوضى الثوابت يواجها الايمان بأن الحق لا يموت ابدا ولو تكاثرت عليه الأمم ، فوضى الثوابت محتها آية كريمة تقول معانيها انه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة .. فوضى الثوابت مجرد ظاهرة وسيتخطاها أبناء الشرق الأوسط لأنهم صار لهم قوة تجبر أعداء الله على أن يرضخوا لقوة الحق والايمان . فوضى الثوابت تطلب منك ان تظل ثابت ومستمسك بقيمك ودينك مهما كانت الفوضى ومهما عزت الحياة ومهما أراد لك ومنك أعداء الحق والإنسانية والحياة.