هو إجرام يهز الأمن والاستقرار في قلوب الناس قبل المدن والدول، طعنة في صدر الأمن ومؤسساته، حدث مروع يقض مضجع الحياة العامة في المجتمعات، إلا أنه حدث يتمناه كل سياسي أو مرشح رئاسي كي تنقلب صناديق الاقتراع لصالحه، هو القدر الذي يتمناه رجال السلطة كي تدور دفة المعارك السياسة لصالحهم. محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم 13 يوليو الجاري بينما كان يلقي خطاباً أمام حشد من مؤيديه في تجمّع انتخابي بولاية بنسلفانيا، هي صدمة بلا شك لكل المتابعين حول العالم، سواء الناقمين على ترامب أو المتعاطفين معه. إلا أن الصدمة الأكبر هي للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ولا أظنه سيفيق منها.
أكثر الديموقراطيون تشاؤما لم يكن يتوقع هذا السيناريو، وقطعاً أكثر الجمهوريون تفاؤلا لم يكن كذلك، هي صدمة لكلا الطرفين، ناهيك عن وضع بايدن الذي لا يحسد عليه، إذ كان يمني النفس بأن يستعيد عافيته السياسية بعد الهزيمة التي مني بها من منافسه ترامب في المناظرة الأخيرة، التي جرت أواخر شهر يونيو الماضي، والتي ظهر فيها الرئيس الأمريكي الحالي مهلهلا ومشتتا، إلا أن محاولة اغتيال ترامب سحبت البساط منه كلياً، وباتت حظوظه بالفوز ضئيلة جداً.
ولكل مؤيدي نظرية المؤامرة والذين يدّعون أن محاولة اغتيال ترامب مسرحية بإخراج بارع، إن كان ما يدعونه صحيحا فهي مسرحية عبقرية يجب تكريم صاحب فكرتها، حيث أظهر المرشح ترامب بصورة البطل الذي قد يضحي بحياته من أجل وطنه ومكتسباته، وإن كانت الأقدار قد جلبت هذا الفتى ذو العشرين عاما ووضعته على سطح أحد الأبنية وبيديه بندقية نصف آلية من طراز "أيه أر-15" ليحاول التخلص من ترامب، فهي هدية من السماء نزلت نتاج أصوات تلهج بالدعاء لكي يمنح الله النصر للمرشح الجمهوري، وكانت أولى الثمار التي جناها ترامب هو الدعم المطلق من حزبه خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، والذي حضره ترامب بضمادة بيضاء على أذنه التي أصيبت أثناء محاولة الاغتيال الفاشلة، والتي بلا شك يتمناها الرئيس الحالي والمرشح الديموقراطي ذو الـ82 عاما جو بايدن.
أخيرا، الطريقة التي ظهر بها ترامب فور نجاته من محاولة الاغتيال الفاشلة، مع رفع يده والدماء تسيل على وجنته في إشارة منه للمقاومة والنصر، كانت طريقة درامية بطولية ذكية، ظهر فيها بمظهر الرئيس القوي الشجاع والذي لا ترعبه هذه المحاولات اليائسة، ظهور كان له بريقه الأخاذ، التقطت منه صورة أيقونية تُخلَّد ليس في سيرته فحسب، بل في تجسيد أحد أبرز محطات السياسة الأمريكية في التاريخ المعاصر.