بين دخان المعارك واقتراب الانفجار، تعيش مدينة السويداء جنوب سوريا واحدة من أكثر اللحظات الأمنية والسياسية حساسية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد نهاية العام الماضي.
ومع تزايد الاشتباكات ووقوع عشرات القتلى، أعلنت السلطات الأمنية فرض حظر تجول شامل في المدينة اعتباراً من صباح الثلاثاء، وسط تصعيد ميداني خطير يضع مصير الاستقرار في المحافظة، بل وفي سوريا بأكملها، أمام منعطفٍ بالغ الدقة.

حظر تجول شامل وأوامر صارمة من الأمن الداخلي
أعلن قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء فرض حظر تجول في شوارع المدينة "حتى إشعار آخر"، مطالباً السكان بـ"الالتزام الكامل بمنازلهم"، ومنع "العصابات الخارجة عن القانون" من استخدام المباني السكنية كقواعد للمواجهة مع القوات النظامية.
وفي نبرة تجمع بين التحذير والاستعطاف، دعا قائد الأمن "المرجعيات الدينية وقادة الفصائل المسلحة" لتحمل مسؤولياتهم الوطنية والإنسانية، والتعاون مع قوات الأمن لحماية المدينة وضمان استقرار المحافظة.
الجيش السوري يتقدم والدماء تنهمر
وزارة الدفاع السورية أعلنت في بيان رسمي أن وحدات من الجيش تلاحق المجموعات الخارجة عن القانون في محيط المدينة، مؤكدة أن هذه المجموعات تحاول الهروب إلى قلب السويداء بعد اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل نحو 100 شخص.
وأكدت مصادر غربية أن إسرائيل تدخلت عسكرياً عبر قصف دبابات سورية، محذّرة من استهداف المدنيين الدروز، ما يُنبئ بتعقيدات إقليمية قد تفاقم الأزمة وتُخرجها من نطاقها المحلي.
مفاوضات شاقة واتهامات متبادلة
في ظل تصاعد العنف، أفاد باسم فخر، المتحدث باسم حركة رجال الكرامة -أبرز الفصائل المسلحة الدرزية- بوجود مفاوضات جارية بين السلطات الانتقالية ووجهاء المدينة لوقف إطلاق النار.
وأشار فخر إلى اتفاق سابق مع وزارة الدفاع لتشكيل جهاز أمني من أبناء السويداء، لكن ماطلت الدولة في تنفيذه. واتهم في المقابل "فصائل لا تحمل عقيدة وطنية" وعناصر من "بعض عشائر البدو" بارتكاب أعمال قتل ونهب وحرق في القرى الدرزية، قائلاً إنهم "سيطروا على خمس بلدات قرب السويداء".
الرئاسة الروحية للدروز تطالب بالتهدئة
في بيان عاجل، طالبت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية المقربة من الشيخ حكمت الهجري بوقف إطلاق نار فوري، مؤكدة رفضها لكل "الفصائل التكفيرية أو الخارجة عن القانون".
وأعربت الرئاسة عن دعمها لـ"سيادة الدولة النظامية القانونية"، مشددة على أن التنظيم الأمني للمحافظة يجب أن يكون بأيدي "أبنائها الشرفاء". وأشار البيان إلى أن العلاقة مع الحكومة الانتقالية في دمشق ما زالت "توافقية ولم تنقطع".
حصيلة دامية في ثلاثة أيام
وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل منذ الأحد 99 شخصاً، من بينهم:
- 60 درزياً، معظمهم من المقاتلين.
- 14 عنصراً من قوات الأمن.
- 18 بدوياً.
- امرأتان وطفلان.
- 7 مسلحين مجهولي الهوية.
السويداء.. مرآة للواقع السوري بعد الأسد
تسلّط الأحداث في السويداء الضوء على التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، والتي وصلت إلى السلطة بعد إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
ورغم إعلان التزامها بالحوار والانفتاح، إلا أن السلطة الانتقالية تواجه اتهامات بـ"المماطلة" في تنفيذ تفاهمات محلية، وبالعجز عن ضبط المشهد الأمني في مناطق النفوذ المتداخلة، لا سيما في الجنوب السوري الذي يشهد تنامي فصائل مسلحة ذات طابع طائفي ومناطقي.
سياق متوتر وتكرار للسيناريوهات الدامية
السويداء ليست وحدها التي اشتعلت فقد سبقتها اشتباكات دامية في الساحل السوري، معقل الأقلية العلوية، في مارس الماضي، واشتباكات مماثلة بين قوات الأمن ومقاتلين دروز قرب دمشق في أبريل، وهو ما يعكس هشاشة المشهد السوري حتى بعد سقوط النظام السابق.
هل ينجو الجنوب من الفوضى؟
أحداث السويداء، التي تتقاطع فيها الحسابات الطائفية والجغرافية والسياسية، تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة الانتقالية على بسط الأمن واستعادة هيبة الدولة دون الانزلاق نحو العنف الأهلي.