يشهد الداخل الإسرائيلي توترًا حادًا بعد إصدار المحكمة العسكرية الإسرائيلية، الأربعاء الماضي، في تصعيد غير مسبوق، أحكامًا بالسجن بحق شقيقين من الطائفة الحريدية، بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية، في خطوة اعتبرها قادة التيار الديني إعلان حرب مفتوح على "أبناء التوراة".
رافائيل وباروخ يتسحاقوف، طالبان من معهد "مأوروت هاتوراه" في كريات ياعاريم، اعتُقلا من منزلهما في تل أبيب، وتم الحكم عليهما بـ17 و13 يومًا من السجن على التوالي، ما فجّر موجة غضب في أوساط الحريديم، بلغت ذروتها في منزل الحاخام دوف لاندو، أبرز زعماء التيار الليتواني الحريدي، الذي أعلن عبر بيان رسمي: "الدولة أعلنت الحرب، وسنرد بحرب عالمية".
لم يكن هذا التصريح مجرد موقف رمزي، بل دُشّنت على إثره مشاورات مكثفة شارك فيها حاخامات ونشطاء من داخل وخارج إسرائيل، تمخض عنها توجه واضح نحو الضغط السياسي على الحكومة الإسرائيلية، بل والتلويح بتدويل القضية. بيان من حزب "ديغيل هتوراه" كشف عن نوايا لاستخدام نفوذ الجالية اليهودية في الولايات المتحدة للضغط على البيت الأبيض ووقف تدفقات التبرعات للمؤسسات الإسرائيلية، إذا استمر استهداف طلاب المعاهد الدينية.
في موازاة ذلك، أطلق التيار "اليورشاليمي" مبادرة ساخرة ومثيرة للجدل بعنوان "تلقيت أمر تجنيد؟ ربحت جائزة!"، حيث دُعي الشبان المتخلفون عن التجنيد للمشاركة في سحب مالي على جوائز تصل إلى آلاف الشواقل، في محاولة لتحويل الضغط إلى رمز للمقاومة الشعبية داخل المجتمع الحريدي.
ويأتي كل هذا في ظل أزمة متصاعدة داخل المؤسسة العسكرية والحكومية، بعد أن ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية الإعفاء التلقائي الذي كان يحمي طلاب المعاهد الدينية من التجنيد، وأمرت الجيش بالبدء في استدعائهم، في ظل تصاعد الحاجة إلى عناصر جديدة منذ اندلاع حرب غزة.
من جهة أخرى، حذّرت الأحزاب الحريدية، التي تمثل أحد أركان الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو، من أنها ستنسحب من الحكومة وستسقطها إذا لم يتم تشريع قانون يحمي وضعية الإعفاء الديني من الخدمة العسكرية. وعلى الأرض، اندلعت مظاهرات صاخبة في مدن ذات أغلبية حريدية، وسط شعارات تعتبر التجنيد تهديدًا وجوديًا لهوية المجتمع التوراتي.
في المشهد الراهن، تقف إسرائيل أمام معضلة مركبة: بين متطلبات الأمن القومي، وضغوط الشارع الحريدي الغاضب، ما ينذر بأزمة سياسية واجتماعية مفتوحة على جميع الاحتمالات.