هل زرت معابد أو متاحف من قبل وتساءلت عن معنى النقوش على جدران المعابد؟ هل رغبت في قراءتها والتعمق أكثر في تاريخ أجدادنا؟ اليوم، يستطيع أي زائر أن يوجه هاتفه نحو جدار معبد أو تمثال أثري ليحصل خلال ثوانٍ على ترجمة فورية بفضل تطبيق "مانيتو"، الابتكار المصري الذي يمزج بين عبق التاريخ وأدوات التكنولوجيا الحديثة.
من حلم إلى منتج عالمي
قبل عامين فقط، كانت الفكرة مجرد حلم. قاد أحمد الخولي، مطور تطبيق مانيتو وإبرآم أنور زاهي، المدير التقني لشركة دارك بيراميد، فريق العمل ليجعلوا الهيروغليفية – بكل تعقيداتها – لغة مفهومة للجميع. المهمة لم تكن سهلة: أكثر من ألف رمز، اتجاهات كتابة متغيرة، وعدم وجود فواصل بين الكلمات. حتى نماذج الذكاء الاصطناعي العالمية مثل ChatGPT وGemini لم تتمكن من التعامل مع هذه اللغة.
لكن الفريق اختار أن يبتكر مساره الخاص ويستعيدوا انجازات وتقدم حضاراتنا المصرية القديمة، ولأن طريق النجاح يبدأ بخطوة…
قام الفريق بترجمة آلاف الجمل يدويًا، وطوروا تقنيات للتعرف على الرموز من النقوش (OCR)، ودربوا نموذجًا لغويًا متخصصًا. خطوة بعد أخرى، تحولت الفكرة إلى تطبيق يعمل بكفاءة حقيقية.
دعم علمي وشراكات
في البداية، استعان الخولي بالدكتور/ ميسرة عبد الله، نائب رئيس متحف الحضارة سابقًا وأحد المشاركين في كتابة نص موكب المومياوات الملكية، فقد ساعد دعمه للفريق التواصل مع خبراء ورقمنة النصوص الأثرية.
الإنجاز الأبرز كان مشاركة أحمد الخولي و إبرآم أنور في مسابقة هواوي العالمية للمطورين. من بين أكثر من 700 فريق، وصل «مانيتو» إلى المراكز الأولى: الأول في مصر، الثاني في إفريقيا، ومن أفضل 10 على مستوى العالم.
وعبر Huawei Cloud حصل الفريق على موارد حوسبة ضخمة وأدوات تطوير متقدمة ودعم فني مستمر، ما ساعدهم على بناء النموذج التجريبي وتشغيل التطبيق عبر الإنترنت ومتاجر التطبيقات.
وأثبتت هواوي من خلال هذه المسابقة دورها كرائد عالمي في تمكين المواهب الشابة ودعم الابتكار، حيث لم تكتفِ برعاية الأفكار، بل تبنّت رؤية استراتيجية تركز على تحويل الإبداع المحلي إلى منتجات ذات أثر عالمي. ومن خلال Huawei Cloud، وفّرت للفريق بيئة تدريب متكاملة وموارد حوسبة عالية الكفاءة لمعالجة البيانات، وهي إمكانيات عادة ما تكون حكرًا على كبرى الشركات. كما قدّمت دعمًا فنيًا متواصلًا وأدوات تطوير متقدمة، ما مكّن الفريق من بناء النسخة الأولى (Version 1) والنموذج التجريبي (Beta Model)، وتشغيل التطبيق على الإنترنت وإتاحته عبر متاجر التطبيقات.
جسر نحو المستقبل
من خلال دمج "مانيتو" في المواقع الأثرية، تقدم مصر للعالم نموذجاً في الجمع بين عراقة الماضي وابتكارات المستقبل. التطبيق يسهّل على السياح فهم تاريخ المنطقة وتقديره بشكل أعمق، مما يزيد من جاذبية الوجهات السياحية الأثرية، ويجعلها أكثر تفاعلية. ويجري حاليًا التعاون مع وزارة السياحة والآثار والمتاحف الكبرى لتضمين "مانيتو" كجزء أساسي من التجربة السياحية، مما يعكس قدرة الابتكار المصري على تقديم حلول ذكية تعزز من قطاع السياحة وتساهم في الترويج العالمي للتراث المصري.
يستعد الفريق لإضافة تقنيات الواقع الافتراضي (VR) ليستمع الزائر للتماثيل وهي تحكي قصتها، والواقع المعزز (AR) الذي يضيف طبقة بصرية تجعل المشهد أكثر تفاعلًا وحيوية. والأهم أن الخدمة مصممة لتكون عملية ومستدامة، إذ لا تتجاوز تكلفتها 10 دولارات لكل 10 أيام، أي نحو دولار ونصف يوميًا فقط، ما يجعلها إضافة معقولة ومؤثرة في تجربة أي سائح.
ويحلم مطورو «مانيتو» بأن تصبح النقوش الهيروغليفية مفهومة للجميع بضغطة زر، وأن يتعرف التطبيق مستقبلًا على الحقبة الزمنية للنقش ويربطه بمعلومات دقيقة تعزز قيمة التجربة.
«ما نريده هو أن يسمع العالم صوت هذه اللغة القديمة من جديد»، يقول الخولي. «بدلًا من أن تبقى مجرد أشكال محفورة على الحجر، تصبح كلمات حيّة تحمل رسالة من الماضي.»
بهذا الحلم، يواصل «مانيتو» بناء جسر بين حضارة مصر القديمة وعصرها الرقمي، جاعلًا من النقوش الهيروغليفية لغة حية مفهومة للجميع بضغطة زر. يطمح الفريق إلى أن تصبح أي نقوش في متناول فهم أي زائر، بحيث يكفي أن يلتقط صورة للنص ليحصل فورًا على ترجمته وقصته التاريخية، مع التوسع مستقبلًا لتمييز الحقبة الزمنية وربطها بأدق المعلومات الأثرية، بما يجعل التجربة أكثر ثراءً وتفاعلية.