عقد مجمع البحوث الإسلاميَّة، مساء أمس، ندوةً دِينيَّةً في الجامع الأزهر، تحت عنوان: (إشراقات البيت النَّبوي)، وذلك ضِمن فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي الحادي عشر، الذي تُنظِّمه اللجنة العُليا للدعوة بالمجمع تحت عنوان: (سيرة ميلاد وبناء أمجاد)، في إطار حملة فاتَّبِعوه التي أطلقها المجمع بمناسبة الذِّكرى العطرة لمولد النبي ﷺ، وذلك برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبإشراف فضيلة أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، وفضيلة أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة.
وحاضر في النَّدوة: أ.د. عبد الفتَّاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلاميَّة، وأ.د. علي مهدي، أمين سر هيئة كبار العلماء، والدكتور أحمد همَّام، مدير الإدارة العامَّة للإعلام الدِّيني بالمجمع.
وفي كلمته، بيَّن الدكتور عبد الفتَّاح العواري قَدْرَ بيت النبوَّة، وأنه النموذج الأكمل للحياة الأسريَّة؛ إذِ اجتمعت فيه الشمائل المحمديَّة بأبهى صُوَرها من خصال وسمات وسلوكيَّات أشرف خَلْق الله، فجاءت تشريعات السماء لتجعل منه مدرسةً عمليَّةً لتطبيق المنهج الإلهي في شتَّى مجالات الحياة، مؤكِّدًا أنَّ مِن هذا البيت المبارك تعلَّمت الأمَّة دروسًا راسخة تهديها إلى السعادة الحقيقية، فلا استقرار لأسرة ما لم تسِر على خُطى النبي ﷺ في القيام بالمسئوليَّات وأداء الواجبات المتبادلة بين الزوج والزوجة.
وأشار د. العواري إلى أنَّ النبي ﷺ انطلق في حياته الزوجيَّة من التوجيه الإلهي{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}، وجعل له إجراءاتٍ عمليةً تُرسِّخ المودَّة، فقال ﷺ: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر»، وقد جسَّد ﷺ هذا المنهج في بيته، فكان يعين أهله ويشاركهم شئونهم؛ كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم»، مشدِّدًا على أنَّ الاقتداء به يضمن للأسرة المسلمة الاستقرارَ والبركة، ويُغلق أبواب الشقاق والخلاف.
من جانبه، أكَّد الدكتور علي مهدي أهميَّةَ الاقتداء بالنبي ﷺ في جميع جوانب الحياة، مبيِّنًا أنَّ رحمته وعاطفته ظهرت جليَّة في تعامله مع أبنائه وأحفاده؛ فقد كان يطيل السجود رحمةً بحفيده حين صعد على ظهره، ويحمل حفيدته أمامة وهو في الصلاة، ويقبِّل الحَسن والحُسين في مشهدٍ غير مألوف في بيئة العرب آنذاك، وقال لمن تعجَّب من ذلك: «مَنْ لا يَرحم لا يُرحَم».
وأوضح د. مهدي أنَّ تطبيق هذا المنهج النَّبوي في التربية كفيلٌ بتحصين الأبناء مِنَ الوقوع في شباك الانحراف؛ فبيت النبي ﷺ كان بيئة احتواء تشبَّع فيها الأبناء بالقِيَم النبيلة، حتى إنَّ زيد بن حارثة اختار البقاء في كنف النبي ﷺ على الرجوع إلى أبيه لما وجد فيه من رحمة وعطف، لافتًا إلى أن سبب ما تعانيه أُسَر اليوم من وجود فجوة بين الآباء والأبناء هو الانشغال بالماديَّات، وغياب الحوار الأُسَري العميق؛ الأمر الذي يدفع الأبناء أحيانًا للبحث عن بديل قد يكون رفقة السوء، مؤكِّدًا أنَّ الحل الوحيد هو العودة إلى المنهج النبوي الذي يملأ البيوت مودَّةً وأمانًا.
كما أشار الدكتور أحمد همَّام إلى أنَّ بيت النبوة مدرسةٌ حياتيَّةٌ متكاملةٌ؛ فقد جسَّد النبي ﷺ كزوج أسمى قِيَم الرحمة والود في تعامله مع زوجاته رضوان الله عليهنَّ، فكان بيته واحة استقرار ووئام، ومثالًا لو سارت عليه الأُسَر اليوم لعاشت في سكينة وسعادة، كما قدَّم ﷺ في تربيته لأبنائه نموذجًا متوازنًا يجمع بين الحكمة واللين؛ يؤهِّل الأبناء لمواجهة الحياة بثقة، ويغرس فيهم القِيَم النبيلة التي تحفظهم من الانحراف وتبني بهم مجتمعاتٍ آمنةً مستقرَّة.