قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله تعالى أمرنا بالصبر عند نزول البلاء فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200]. فرتَّب الفلاح على الامتثال للأمر بالصبر والمصابرة.
وتابع: وأخبر سبحانه أن الصبر خير لنا فقال: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النساء: 25]. ويأمرنا سبحانه عند لقاء العدو بالصبر، إذ يقول حكاية عن عبادة المؤمنين: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}[الأعراف: 126]. وجعل الله الصابرين في معيته سبحانه فقال: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: 46].
وأضاف: وعن مطلق الخيرية في الصبر قال رسول الله ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (رواه مسلم). وروى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لا يذهب الله بحبيبتي عبد فيصبر ويحتسب إلا أدخله الله الجنة» (رواه ابن حبان). وفي هذا بيان لجزاء الصبر عند المرض والبلاء كفقد الإنسان بصره.
أنواع الصبر
وعن أنواع الصبر وتقسيماته يقول الماوردي الشافعي:
اعلم أن الصبر على ستة أقسام:
-القسم الأول: الصبر على امتثال ما أمر الله تعالى به والانتهاء عما نهى الله عنه؛ لأن به تخلص الطاعة، ويصح الدين، وتؤدى الفروض، ويستحق الثواب، كما قال في محكم الكتاب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].
-القسم الثاني: الصبر على ما تقتضيه أوقاته من رزية أجهده الحزن عليها أو حادثة كدَّه الهم بها؛ فإن الصبر عليها يعقبه الراحة منها، ويكسبه المثوبة عنها. وبذلك يكون قد صبر طائعًا، وإلا احتمل همًّا لازمًا وصبر كارها آثمًا. وهو ما حذر منه النبي ﷺ فقال: يقول الله تعالى: «من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي، فليختر ربًّا سواي» (الطبراني في الكبير)
-القسم الثالث: الصبر على ما فات إدراكه من رغبة مرجوة أو مسرة مأمولة؛ فإن الصبر عنها يعقب السلو منها، والأسف بعد اليأس خُرق. روي عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ، وَظُلِمَ فَغَفَرَ ". ثُمَّ سَكَتَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَهُ؟ قَالَ: " أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ، وَهُوَ مُهْتَدُونَ» (الطبراني). وقال بعض الحكماء: اجعل ما طلبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله.
-القسم الرابع: الصبر فيما يُخشى حدوثه من رهبة يخافها أو نكبة يخشاها؛ فلا يتعجل همّ ما لم يأت، فإن أكثر الهموم كاذبة، وإن الأغلب من الخوف مدفوع. قال الحسن البصري رحمه الله: لا تحملنَّ على يومك هم غدك، فحسب كل يوم همه.
-القسم الخامس: الصبر فيما يُتوقع من رغبة يُرجى نيلها أو نعمة يُؤمل إدراكها؛ فإن أدهشه التطلع إليها وانسدت عليه السبل، ضاع رجاؤه، وزاد بلاؤه. أما إذا كان مع الرغبة وقورًا، وعند الطلب صبورًا، انجلت عنه الحيرة، وأبصر رشده، وعرف قصده. لذلك قال النبي ﷺ: «الصبر ضياء» (رواه مسلم). أي: أنه يكشف ظلمات الحيرة ويوضح حقائق الأمور.
-القسم السادس: الصبر على ما نزل من مكروه أو حلَّ من أمر مخوف؛ فبالصبر تنفتح وجوه الآراء وتُستدفع مكائد الأعداء. فإن من قلَّ صبره عزب رأيه واشتد جزعه، فصار صريع همومه وفريسة غمومه. ولذلك أمر الله تعالى بالصبر في الشدائد فقال سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[لقمان: 17].
واشار الى انه مما سبق يتجلى لنا حقيقة الصبر وأقسامه وفضله، وهو ما يستوجب أن يشمّر المسلم عن ساعد الجد، ويتخلق بهذا الخلق العظيم، ويصبر نفسه حتى يكون مع الله في كل وقت.