تفاقمت الآثار النفسية على أحد القناصة الإسرائيليين الذين شاركوا في العمليات العسكرية في قطاع غزة، حتى بات يصف حياته بأنها «محطمة تماما». القناص كشف في شهادته إلى صحيفة هأرتس العبرية، أن الأفكار عن الموت تطارده باستمرار، وأن أي رائحة غريبة يفسرها فورا كأنها «رائحة جثث».
لم تتوقف معاناته عند حدود الذكريات، بل انعكست على يومياته بشكل قاس: فقد تحدث عن فقدان السيطرة الجسدية ثلاث مرات، وعن كوابيس مروعة حلم فيها بقتل عائلته، كما أكد أنه يستيقظ خمس أو ست مرات كل ليلة، ليواجه مجددا صور الذين قتلهم.
وأوضح أن تجربة القنص تختلف عن غيرها قائلاً: «القناص ليس كالطيار، إنه يرى ضحاياه عبر منظاره مباشرة، وهذا أمر فظيع لا يمكن شرحه».
أزمة صامتة
وتكشف هذه الشهادة الفردية أزمة أوسع يعرفها الجيش الإسرائيلي، حيث يواجه المئات من جنوده اضطرابات نفسية بعد عودتهم من القتال. وتشير تقارير طبية وعسكرية إلى أنّ نسبا معتبرة منهم يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، أبرزها الكوابيس، الذكريات المتطفلة، فقدان النوم، ونوبات الذعر المفاجئة. بعضهم يصبح غير قادر على العودة إلى الخدمة مجددا، بينما تنسحب الأزمة إلى حياتهم الأسرية والمجتمعية.
معضلة القناصة
يعتبر القناصة والقوات الخاصة الأكثر عرضة لهذه الأزمات، إذ إنهم يتعاملون مباشرة مع ضحاياهم وجها لوجه، ما يضاعف مشاعر الذنب ويترك آثارا نفسية عميقة. في المقابل، يحاول الجيش الإسرائيلي التخفيف من حدّة الظاهرة عبر برامج دعم نفسي، غير أنّ شهادات الجنود تكشف أن هذه الجهود ما تزال محدودة وغير كافية.
ثمن لا ينتهي
لا تنتهي الحروب بالنسبة لهؤلاء عند وقف إطلاق النار، بل تظلّ مستمرة داخل عقولهم. كل صوت أو مشهد أو رائحة قد تتحوّل إلى استدعاء مباشر لذكريات القتل والموت. وبينما يلتئم الجرح الجسدي سريعا، تبقى الجروح النفسية غائرة لا تندمل، لتتحول أيامهم ولياليهم إلى ساحة حرب جديدة، هذه المرة ضد أنفسهم.