قدم الفنان شريف الدسوقي ماستر كلاس بعنوان " الطريقة المثلى لبناء الشخصية المؤداة في التمثيل والحكي " وذلك علي هامش الدورة ال 15 من مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي ( مسرح بلا إنتاج )، والتي تحمل اسم النجم محمد هنيدي، وتقام الفعاليات في الفترة من 15 إلى 20 سبتمبر الجاري، ويُقام المهرجان تحت رعاية وزارة الثقافة ووزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وتحت قيادة الفنان إبراهيم الفرن رئيس المهرجان، الدكتور جمال ياقوت المؤسس والرئيس الشرفي للمهرجان، والفنان إسلام وسوف مدير المهرجان.
استهل الدسوقي الورشة بالتأكيد على أن القراءة الأولى للنص غالبًا ما تكون “خادعة”، مستشهدًا بمنهج ستانسلافسكي في كتابه “إعداد الممثل”، وأوضح أن التركيز المبدئي على الدور الشخصي دون النظر للسياق العام هو خطأ شائع، ناصحًا الممثلين بإعادة القراءة لاستيعاب الفكرة الأساسية من خلال فهم دورهم وعلاقته بالأدوار المحيطة به، وأشار إلى أن دراسة الشخصية تتطلب استيعاب ثلاثة أبعاد رئيسية، البعد النفسي، ويشمل الحالة الشعورية للشخصية مثل الحزن أو البهجة، البعد الشكلي: ويتعلق بالمظهر الخارجي واللوازم الحركية مثل البدانة أو وجود لازمة حركية معينة، البعد الاجتماعي: ويحدد الطبقة التي تنتمي إليها الشخصية سواء كانت فقيرة أو غنية.
انتقل الدسوقي للحديث عن “الذاكرة الانفعالية”، واصفًا إياها بـ”غرفة ربانية” داخل كل إنسان تسجل تلقائيًا كل ما يمر به من مواقف، وأكد على ضرورة استدعاء هذه الذاكرة عند بناء الشخصية، حيث يمكن للممثل أن يجد فيها ما يتقاطع مع الدور الذي يؤديه، وأوضح أن الممثل الماهر هو من يستطيع خلق توأمة بين الشخصية المكتوبة ومواقفه الحياتية، وفي حال غياب تجربة مشابهة، نصح باستخدام الخيال وطرح سؤال “ماذا لو؟” لخلق الموقف ذهنيًا، وشدد على أهمية المراقبة والرصد لما حوله وإيجاد نفسه في بيئات تساعده ان يُعايش الشخصية، واصفًا مدينة الإسكندرية بأنها “مخزن للتنوع والذاكرة” يمكن للممثل أن ينهل منه.
تطرق الدسوقي خلال الورشة إلى مفهوم “المعايشة” باعتبارها خطوة جوهرية في عملية تقمص الدور، مؤكدًا أن على الممثل البحث عن بيئة تساعده على الغوص في تفاصيل الشخصية، وضرب مثالًا بمدينة الإسكندرية، التي يرى أن بحرها يمثل أداة مجانية تمنح الممثل مساحة للصفاء الذهني وتركيزًا يساعده على اتخاذ قرارات صحيحة تجاه الشخصية التي يجسدها، وفي لمسة إنسانية، روى تجربته الشخصية مع إحدى الشخصيات التي التصقت به ولم يتمكن من الخلاص منها بسهولة، موضحًا أنه اختار مصاحبتها لفترة حتى يتجاوزها تدريجيًا، ناصحًا المشاركين بضرورة الحفاظ على وعيهم وعدم الوقوع في أسر أدوارهم، تجنبًا للتأثيرات النفسية السلبية.
بدأت التدريبات بتمرين أشبه بـ”الإنعاش الذهني”، حيث طلب الدسوقي من المشاركين إغماض أعينهم وتخيّل شاشة أمامهم لتخزين صور ومشاهد في الذاكرة، وهذا التمرين، بحسب وصفه، يُعيد تنشيط الخيال ويجعل الممثل أكثر قدرة على مشاهدة تفاصيل دقيقة قد تغيب عادة عن الانتباه. كما يساعد في تصفية المشاعر الشخصية وفرز الطاقات المكبوتة، سواء حزنًا أو فرحًا، بهدف إخراجها في سياق فني منظم، وأكد أن هذه الممارسة تكشف أحيانًا عن صدمات دفينة يعيشها المتدرب، وهو ما يساهم في التخفيف منها وتجاوزها تدريجيًا، وأوضح الدسوقي أن مثل هذه التمارين ليست مرتبطة بالخيال فقط، بل تمنح الممثل قدرة غير مباشرة على استخدام طبقاته الصوتية بشكل أوعى، مضيفًا أن الأمر يعزز من حضور الأداء ويصنع تناغمًا بين الفكرة وتجسيدها المسرحي داخل الكادر الفني.
وطلب من كل مشارك أن يعرّف نفسه بعدة جمل قصيرة بأسلوب أدائي تمثيلي، مع التشديد على أخذ عشر ثوانٍ من الصمت قبل البدء ليستحضر الممثل اللحظة ويدخلها بتركيز كامل، هذا التمرين لم يقتصر على كسر حاجز الخجل، بل وفر للمشاركين مادة خام يمكن صياغتها لاحقًا في شكل مونولوج أو مشهد قصير، ليكون لديهم دائمًا نصان على الأقل جاهزان لتقديمهما في أي تجارب أداء (أوديشن)، واختتم الدسوقي الورشة بحثّ المشاركين على مواجهة الإحباط والتخلي عن “الشماعات الفارغة”، مؤكدًا أن التمثيل أسلوب حياة يتطلب الصبر والمثابرة. وأشار إلى أن جيله من الممثلين كسروا الصور النمطية السلبية عن المهنة ومهدوا الطريق للأجيال الجديدة. وفي لفتة متواضعة، أنهى اللقاء بطلب التقاط صورة جماعية مع الحاضرين.