يعد البحر الأحمر، المحاط بالمناظر الطبيعية الصحراوية، موطناً للحياة البحرية المُعتادة على درجات حرارة الماء المُنخفضة، والتي غالباً ما تصل إلى درجة 29 إلى 32 درجة مئوية في الصيف.
ولكن في السنوات الثلاث الماضية، زادت موجات الحر البحرية من حرارة البحر الأحمر، وكان ارتفاع درجات حرارة المحيطات، هناك وحول العالم، مُدمراً للعديد من الكائنات البحرية، بما في ذلك ثنائي المحيط الشهير: سمكة المهرج وشقائق النعمان.
توصلت دراسة جديدة أجراها فريق بحثي بقيادة جامعة بوسطن إلى أن هذه الحرارة الشديدة تسببت في انهيار العلاقة التكافلية بين سمك المهرج وشقائق النعمان البحرية، ما أدى إلى انهيار أعدادها في وسط البحر الأحمر.
يشكل هذا الزوج إحدى أكثر العلاقات المتبادلة المنفعة شهرةً في المحيط، وذلك بفضل فيلم “البحث عن نيمو” الشهير، لقد تكيفوا للعمل كفريق واحد للحصول على العناصر الغذائية وللحماية.
كما أن لشقائق النعمان علاقة تكافلية خاصة بها، مع طحالب مجهرية تُسمى زوزانتلي، وهي نفس الطحالب التي تتزاوج مع المرجان.
ومثل المرجان، تطرد شقائق النعمان الطحالب من أنسجتها خلال فترات ارتفاع الحرارة بشكل غير معتاد، ما يتسبب في ابيضاضها.
ووجد الباحثون أن التبييض المطول لا يؤدي فقط إلى موت شقائق النعمان وسمكة المهرج، بل يُؤدي أيضاً إلى انهيار نظام التكافل بأكمله.
يقول مورغان بينيت سميث، طالب الدكتوراه في مختبر علم البيئة البحرية التطوري بجامعة بوسطن والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية التي نُشرت في مجلة Biodiversit:
“نأمل دائماً أن تنجو مجموعات شقائق النعمان البحرية وسمك المهرج من حالات التبييض، كما حدث مراراً وتكراراً خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن الأمر وصل إلى حدٍّ أصبح فيه التبييض شديداً للغاية”.
ودرس بينيت شقائق النعمان البحرية في البحر الأحمر على مدار العقد الماضي، وشهد بنفسه كيف دفعت درجات الحرارة المرتفعة للغاية شقائق النعمان البحرية وسمك المهرج إلى تجاوز الحد الأقصى لدرجة الحرارة التي يتحملونها.
بدأ البحث عندما كان بينيت-سميث يدرس في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية، وركز على سمكة المهرج (أمفيبريون بيسينكتوس) وشقائق النعمان البحرية المضيفة لها (راديانثوس ماجنيفيكا) في ثلاثة شعاب مرجانية في وسط البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية، وذلك بين عامي 2022 و2024، بالتزامن مع موجة حر بحري عام 2023.
ووفقاً لبينيت-سميث، فقد ابيضّ لون شقائق النعمان التي رُصدت لمدة ستة أشهر تقريباً خلال تلك الفترة. ونتيجةً لذلك، تُقدّر الدراسة أن ما بين 94% و100% من سمكة المهرج قد نفقت، وما بين 66% و94% من شقائق النعمان.
يقول: “إنه لأمر مؤلم للغاية أن البحر الأحمر مكانٌ طالما أمل فيه وافترضه العديد من الباحثين، مما يعني أن الكائنات الحية فيه ستكون محمية من آثار تغير المناخ بفضل موقعه ودرجات الحرارة المرتفعة أصلاً. إن انهيار هذا الملاذ الحراري بطرق مختلفة أمرٌ مروعٌ للغاية. لم يتبين أنه الملاذ الآمن الذي توقعناه”.
بالنسبة لسمكة المهرج، يُعدّ ابيضاض شقائق النعمان كارثةً حقيقية، إذ يتحول موطنها الآمن إلى اللون الأبيض، مما يعرضها لمخاطر كامنة في الشعاب المرجانية المحيطة.
وفي الظروف الطبيعية، تتخفى سمكة المهرج وتحمي نفسها تحت مجسات شقائق النعمان المتمايلة واللاذعة، وهي من أقارب قنديل البحر.
وتفرز سمكة المهرج مخاطاً يحميها وبيضها من اللسع، لذلك عندما تجذب سمكة مفترسة إلى شقائق النعمان، تُصعق وتُؤكل.
أدى تغير المناخ الناجم عن الإنسان إلى ارتفاع درجة حرارة المحيط إلى مستويات غير مسبوقة، وبدأ يُفكك العلاقات التكافلية التي تحافظ على البيئات تحت الماء، مثل تلك التي تربط الطحالب بالشعاب المرجانية، أو الطحالب بشقائق النعمان، أو شقائق النعمان بسمكة المهرج.
واستمراراً للعمل في البحر الأحمر، سيُصدر الفريق قريباً تقريراً عن أحداث ارتفاع حرارة مماثلة قبالة سواحل بابوا غينيا الجديدة، حيث يُجرى الجزء الأكبر من أبحاث بوستون.
تشير الورقة البحثية حول البحر الأحمر إلى أن فقدان هذه الأنواع المهمة له آثارٌ مُتتالية على الشعاب المرجانية، ويدعو المؤلفون إلى إجراء مسوحات في مناطق أخرى من البحر الأحمر، وكذلك في جميع أنحاء العالم، لتقييم حالة الحفاظ عليها بشكل عام. ويأمل بينيت سميث أن يتمكن الخبراء المحليون من تعزيز جهود الحفظ والترميم لحماية المناطق المحتاجة قبل فوات الأوان.