في مشهد جمع بين السياسة والأدب، استحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمات الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش خلال كلمته في مؤتمر "حل الدولتين" المنعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. جاءت هذه اللحظة متزامنة مع إعلان فرنسا اعترافها رسميًا بدولة فلسطين، حيث اختار ماكرون أن يستشهد بمقطع من قصيدة درويش الشهيرة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، ليضفي بُعدًا إنسانيًا وشاعريًا على موقف بلاده السياسي.
ماكرون يقتبس من روح فلسطين
قال ماكرون، مخاطبًا قادة العالم: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة، على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات، كانت تُسمّى فلسطين، صارت تُسمّى فلسطين... سيدتي: أستحق، لأنكِ سيدتي، أستحق الحياة"، وهي كلمات مأخوذة من واحدة من أبرز قصائد درويش. الاستشهاد لم يكن مجرد إشارة أدبية، بل بدا وكأنه محاولة لإيصال رسالة عاطفية وسياسية في آن واحد: أن فلسطين ليست مجرد قضية سياسية بل هي قضية إنسانية تستحق الحياة والاعتراف.
قصيدة “على هذه الأرض”.. ملحمة الوجود والكرامة
قصيدة درويش التي ألقاها ماكرون تعكس روح الشعب الفلسطيني ومقاومته، إذ يقول فيها: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة: تردد إبريل، رائحة الخبز في الفجر، أمهات تقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكريات...". هذه الأبيات تجمع بين تفاصيل الحياة اليومية البسيطة ومعاني المقاومة والذاكرة، لتصنع لوحة شعرية تؤكد أن فلسطين أرض مليئة بما يجعلها جديرة بالبقاء.
محمود درويش.. شاعر القضية وصوت الهوية
لم يكن محمود درويش مجرد شاعر؛ بل كان ضميرًا للأمة وقلمًا حمل وجعها وأحلامها. وُلد ليكتب عن وطن جُرح طويلاً، فوضع فلسطين في صدارة الأدب العالمي، حتى صار اسمه رمزًا للنضال الثقافي. أصدر أكثر من ثلاثين ديوانًا شعريًا، إلى جانب مقالات عديدة ناقشت قضايا الوطن والهوية والمنفى.
من أبرز أعماله التي خلدت اسمه: "سجل أنا عربي"، "جدارية"، "عاشق من فلسطين"، و"أحن إلى خبز أمي"، وكلها نصوص صارت أيقونات للأدب المقاوم.
فرنسا ورسالة الاعتراف
استشهاد ماكرون بدرويش في هذا التوقيت لم يكن عفويًا، بل جاء ليؤكد أن الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين يتجاوز البعد السياسي والدبلوماسي، ليعانق البعد الثقافي والإنساني. في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن حلول للصراع الممتد، بدا أن باريس أرادت أن تُوجّه رسالتها بلغة أكثر دفئًا، لغة الشعر التي تصل إلى قلوب الناس قبل عقولهم.
بين السياسة والشعر، وبين الأمم المتحدة وصوت درويش، تلاقت الرمزية مع الواقع. فاستشهاد الرئيس الفرنسي ببيت شعري لفلسطين لم يكن مجرد تكريم لشاعرها الكبير، بل كان تذكيرًا بأن هذه الأرض ليست فقط موضوع نزاع دولي، بل وطن يزخر بما يستحق الحياة. هكذا بدا خطاب ماكرون وكأنه يربط بين الاعتراف السياسي والاعتراف الإنساني، ليؤكد أن فلسطين، كما قال درويش، تستحق الحياة.