لاشك أن من قل عمله وعلمه يشعر أنه بعيد عن الله سبحانه وتعالى، إلا أن هذا ليس حقيقيًا، فلاتزال الفرصة قائمة أمام من قل عمله وعلمه ، حيث إن هناك أمورًا ترفع درجته إلى أعلى الدرجات عند الله عز وجل ولو قل عمله وعلمه ، لذا ينبغي ألا ييأس الإنسان من رحمة الله تعالى ، بل عليه أن يطمع في فضل الله وكرمه، فعند الله جل وعلا لاتزال الفرصة سانحة وباب الجواد دائمًا مفتوح للعبد مهما فعل حتى وإن كان من قل عمله وعلمه في الدنيا.
فرصة لمن قل عمله وعلمه
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن من قل عمله وعلمه ، إنه فيما ورد عن السلف الصالح -رضوان الله تعالى عنهم- أن هناك أربعة أعمال ترفع العبد إلى أعلى الدرجات حتى ولو قل عمله وعلمه.
وأوضح «جمعة» فرصة من قل عمله وعلمه ، أن هذه الأمور الأربعة هي: ( الحلم ، والتواضع، والسخاء ، وحسن الخلق) ، مستشهدًا بما قال الجنيد رحمه الله : أربع ترفع العبد إلى أعلى الدرجات وإن قل عمله وعلمه : الحلم ، والتواضع، والسخاء ، وحسن الخلق وهو كمال الإيمان.
وأضاف: و قال الحسن: من ساء خلقه عذب نفسه، و قال أنس بن مالك، إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة، و هو غير عابد ،و يبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم، و هو عابد.
واستند لما قال يحيى بن معاذ في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق .و قال وهب بن منبه، مثل السيئ الخلق كمثل الفخارة المكسورة، لا ترقع و لا تعاد طينا. و قال الفضيل لأن يصحبني فاجر حسن الخلق، أحب إلى من أن يصحبني عابد سيء الخلق و صحب ابن المبارك رجلا سيء الخلق في سفر، فكان يحتمل منه و يداريه فلما فارقه بكى. فقيل له في ذلك، فقال بكيته رحمة له فارقته و خلقه معه لم يفارقه.
كما ورد أنه قال الكناني، التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف، و قال عمر رضى اللّه عنه، خالطوا الناس بالأخلاق، و زايلوهم بالأعمال. و قال يحيى بن معاذ سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات. و حسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات.
و سئل ابن عباس، ما الكرم؟ فقال هو ما بين اللّه في كتابه العزيز: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ ) ، وقيل فما الحسب؟، قال أحسنكم خلقا أفضلكم حسبا، و قال لكل بنيان أساس، و أساس الإسلام حسن الخلق.
و قال عطاء، ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن، و لم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى اللّه عليه و سلم، فأقرب الخلق إلى اللّه عز و جل السالكون آثاره بحسن الخلق.
فضل حُسن الخُلق
رغب النبي عليه الصلاة والسلام في حسن الخلق في كل مظاهر الحياة الإنسانية، فحسن الأخلاق هو علامة على كمال الإيمان، وهو ضرورة اجتماعية، ومهمة خاصة للدعاة إلى دين الله، تجعل من يتحلى بها من أقرب الناس مجلساً إلى رسول الله يوم القيامة، كما أنّ الأخلاق تفاضل الناس فتجعل من يتحلى بها خير الناس وأحسنهم على الإطلاق.
وورد في الحديث: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا)، والخلق الحسن كذلك طريق المسلم للتقرب إلى الله تعالى ونيل الأجر والثواب، فقد يبلغ الرجل صاحب الخلق الحسن درجة الصائم القائم، كما أنّ الخلق الحسن هو أعظم الوسائل للدعوة إلى الله فهو يحبب الناس في صاحب الخلق، كما أنّه يجذب غير المسلمين إلى دين الإسلام.
مظاهر الخُلق الحَسن
- الجود والكرم، ومظاهر الجود كثيرة منها الجود بالنفس، والجود بالراحة، والجود بالرياسة، والجود بالخلق الحسن، والجود بالعلم، والجود بالصبر، والجود بنفع البدن، والجود بنفع الجاه.
- العدل، والعدل يكون في الإصلاح بين الناس، كما يكون عند القضاء بينهم، وكذلك العدل في الولاية، والعدل في تطبيق الحدود، والعدل بين الأولاد والعدل مع الزوجات.
- التواضع، وهو خلق كريم، وصفة عظيمة مدح الله من تحلى بها وترفع قدر صاحبها في الدنيا والآخرة.
- الإخلاص، ومعناه ترك الرياء، واحتساب نية التقرب إلى الله وحده عند عبادته، وأن يكون باطن الإنسان مثل ظاهره.
- الصدق، والصدق هو عكس الكذب ومعنى الصدق في الكلام أن يتطابق كلام الإنسان مع الواقع بحسب ما يعتقده المتكلم، والصدق صفة عظيمة لها فضل كبير، وثواب عظيم، وهي من خصائص المؤمنين المتقين.
وسائل تحصيل حُسن الخلق
يتحصل المسلم على حسن الخلق بما يلي:
- يدعو الله أن يحسن خلقه تأسٍّ بنبي الله عليه الصلاة والسلام في ذلك.
- يقبل نصيحة أخيه المسلم في التحلي بالأخلاق والحث عليها.
- يتذكر ثواب وأجر حسن الخلق.
- يصاحب أهل الفضل والخلق الحسن، ويجتنب أهل السوء.
- يمرن نفسه على تطبيق الأخلاق الحسنة تطبيقاً عملياً، ويبذل وسعه لترك الأخلاق السيئة.