قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. آية الهنداوي تكتب: فلسطين .. دولة لا تنتظر إعتراف أحد

د. آية الهنداوي
د. آية الهنداوي

فلسطين لم تكن يومًا قضية هوية تحتاج إلى إثبات فهي دولة ذات تاريخ وجذور عميقة تضرب في أعماق الأرض والوجدان مثلها مثل أي دولة قائمة بذاتها. 
الاعتراف الدولي بفلسطين ليس مِنّة من أحد، بل هو استحقاق تاريخي وواقع لا يمكن إنكاره مهما حاولت قوى الإحتلال طمسه أو الإتفاف عليه.

والواقع يؤكد أن أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة؛ فالأولى توفر الغطاء السياسي والدبلوماسي، بينما تمارس الثانية عدوانها العسكري والإستيطاني على الأرض.
هذه الشراكة ليست فقط تهديدًا مباشرًا للشعب الفلسطيني، بل خطرًا إستراتيجيًا يهدد السلام في الشرق الأوسط والعالم بأسره.

كما أن المشهد الأخير في مؤتمر الأمم المتحدة جاء كاشفًا بوضوح ما إن صعد بنيامين نتنياهو إلى المنصة حتى غادر معظم الحضور القاعة في مشهد يعكس عزلة إسرائيل ورفض العالم لسياساتها القائمة على الإحتلال والعنصرية. 
هذا الموقف لا يعكس فقط الكراهية المتزايدة لشخص نتنياهو، بل يعبر عن إدراك عالمي متنامٍ بأن استمرار التحالف الأمريكي–الإسرائيلي لم يعد مجرد علاقة مصالح، بل عبء يهدد استقرار المجتمع الدولي بأسره.

إن ما يحدث اليوم على الساحة الدولية يثبت أن الرواية الفلسطينية باتت أقوى من أي وقت مضى، وأن صوت الضحية لا يمكن إسكاته مهما اشتدت آلة الإحتلال. فالإنسحاب الجماعي من قاعة الأمم المتحدة خلال خطاب نتنياهو لم يكن مجرد موقف عابر، بل هو تعبير عن وعي عالمي متزايد بعدالة القضية الفلسطينية، ورفض صريح لمحاولات تبييض وجه الإحتلال على المنابر الدولية.

لقد أدركت شعوب كثيرة أن استمرار الإحتلال الإسرائيلي ليس مجرد نزاع حدودي، بل هو تهديد مباشر لمبادئ العدالة والحرية التي يزعم العالم الدفاع عنها. وغياب العدالة في فلسطين يعني أن الإستقرار في المنطقة سيظل بعيد المنال لأن أي سلام حقيقي لا يمكن أن يقوم على الظلم والتمييز العنصري.

أما الولايات المتحدة التي تتمسك بإسرائيل على الرغم من إدراكها لعزلتها المتزايدة فهي تكشف كل يوم عن إزدواجية خطيرة في سياساتها. فبينما ترفع شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، تستمر في دعم الإحتلال بالسلاح والمال لتبرهن أن مصالحها الإستراتيجية أهم عندها من أي قيمة أخلاقية أو إنسانية.

إن هذه التحالفات القائمة على القوة والهيمنة لا يمكن أن تدوم إلى الأبد. فالتاريخ شاهد على أن كل قوة إحتلال مصيرها إلى الإنحسار مهما بدت قوية في لحظة ما. بينما الشعوب – بما تحمله من ذاكرة وصمود – تبقى وتنتصر في النهاية.

وأوضح أيضاً أنه في خضم هذا المشهد يبرز صوت عدد من الحاخامات اليهود والتيارات الدينية اليهودية المعارضة للصهيونيةممن يرون أن ما تفعله إسرائيل اليوم لا يمثل القيم الدينية اليهودية ولا تعاليم التوراة. هؤلاء يؤكدون أن استخدام الدين لتبرير الإحتلال والقتل هو تشويه للعقيدة وأن اليهودية الحقيقية تقوم على العدل والرحمة وإحترام الإنسان لا على السيطرة والإستيطان وإقصاء الآخر.
ووجود هذه الأصوات وإن كانت أقل حضورًا في الإعلام الغربي يعكس حقيقة أن الصراع ليس دينيًا كما تحاول إسرائيل تصويره، بل هو سياسي وإستعماري بالأساس.

كما أن مواقف بعض علماء الدين اليهودي في أوروبا والولايات المتحدة تكشف عن رفض صريح لما يحدث في فلسطين حيث طالبوا بإنهاء الإحتلال ووقف سياسات التمييز العنصري التي تتعارض مع المبادئ الأخلاقية المشتركة بين الديانات. 
هذه الأصوات تضيف بُعدًا مهمًا في النقاش العالمي، إذ تبرهن أن انتقاد إسرائيل ليس معاداة لليهود، بل هو موقف أخلاقي ضد الإحتلال والعنف وأن العدالة للفلسطينيين هي الطريق الوحيد لتحقيق سلام حقيقي لا يهدد هوية أي طرف.


وعلى الصعيد القانوني، فإن الشرعية الدولية تقف بوضوح إلى جانب الحق الفلسطيني حتى وإن حاولت بعض القوى الكبرى تعطيل تطبيقها.
فقد نصّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام (1948) على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم والتعويض عن ممتلكاتهم وهو حق غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم.
كما أكّد قرار مجلس الأمن رقم 242 عام (1967) على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها بالقوة في إشارة واضحة إلى أن الإستيطان وكل أشكال الضم باطلة قانونًا. 
وجاء أيضاً القرار 338 عام (1973) ليعيد التأكيد على ضرورة تطبيق القرار السابق كشرط لأي تسوية عادلة. 
هذه القرارات إلى جانب عشرات الوثائق الدولية الأخرى تُثبت أن الإحتلال الإسرائيلي ليس فقط جريمة سياسية وأخلاقية، بل أيضًا خرق فاضح للقانون الدولي ولقواعد ميثاق الأمم المتحدة.

ولم يقف الأمر عند القرارات الأممية فحسب، بل إن محكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو 2004 رأيًا استشاريًا تاريخيًا حول جدار الفصل العنصري الذي تبنيه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة واعتبرت المحكمة أن بناء الجدار مخالف للقانون الدولي ودعت إلى إزالته وتعويض الفلسطينيين المتضررين.
هذا الرأي لم يكن مجرد وثيقة قانونية، بل شهادة قضائية من أعلى محكمة دولية تُدين سياسات الإحتلال وتؤكد أن محاولة فرض الأمر الواقع بالقوة لن تُكسب إسرائيل أي شرعية. إن تجاهل إسرائيل لهذا الرأي بدعم من الولايات المتحدة يكشف مرة أخرى زيف إدعاءات "الديمقراطية" و"سيادة القانون" التي يرفعها الغرب حينما تتوافق مع مصالحه ويسقطها حينما يتعلق الأمر بفلسطين.

ومن خلال هذا السياق ، أوكد أن إختزال القضية الفلسطينية في مسألة اعتراف دولي أو قرار أممي هو محاولة لتفريغها من جوهرها الحقيقي. ففلسطين ليست "ملفًا سياسيًا" على طاولة المفاوضات، بل هي قضية تحرر وطني وحق إنساني لا يسقط بالتقادم. كل قرية مهجّرة وكل بيت مهدوم، وكل زيتونة اقتلعت من جذورها تحمل في طياتها شهادة حيّة بأن الأرض تعرف أصحابها وأن الشعب الفلسطيني لا يزال متجذرًا رغم سبعة عقود من التهجير والإقتلاع.

ولعل أخطر ما تحاول إسرائيل تكريسه اليوم هو قلب معادلة الجلاد والضحية؛ فهي تسعى لإقناع العالم بأن إحتلالها "دفاع عن النفس" بينما الفلسطيني الذي يُقتل أو يُهجَّر يُصوَّر على أنه تهديد وجودي.
هذا التلاعب بالخطاب السياسي والإعلامي يفضحه الواقع على الأرض من  جدار عازل يقسم البشر ومستوطنات تبتلع القرى وطفولة تُقتل يوميًا بدمٍ بارد تحت مرأى ومسمع العالم.

ومن هنا، تبرز مسؤولية المجتمع الدولي الذي لطالما تباهى بإعلانات حقوق الإنسان والعدالة الدولية.  
وفي ضوء هذا التناقض الصارخ بين القانون الدولي وواقع الإحتلال أتساءل
فأي عدالة تلك التي تسكت على الإحتلال؟ وأي منظومة قانونية تلك التي ترى الملايين يعيشون بلا وطن ثم تساوي بين الضحية والجلاد؟!
إن ازدواجية المعايير في التعامل مع فلسطين لم تعد مجرد مسألة سياسية، بل فضيحة أخلاقية تهدد مصداقية النظام العالمي برمته.

كما أن الوعي الشعبي العالمي آخذ في التصاعد بصورة غير مسبوقة. مظاهرات الملايين في شوارع لندن وواشنطن وباريس، وحملات المقاطعة التي تجتاح الجامعات والمؤسسات الأكاديمية كلها شواهد على أن فلسطين لم تعد قضية بعيدة تخص شعبًا واحدًا، بل أصبحت رمزًا عالميًا للنضال ضد الإستعمار والعنصرية. هذا التحول الشعبي يضع الحكومات الغربية أمام إمتحان أخلاقي وسياسي صعب إما الإستمرار في دعم الإحتلال على حساب مبادئها المعلنة، أو الإنصياع لصوت شعوبها التي تطالب بالعدالة.

وفي خضم هذا كله، تظل فلسطين عنوانًا للصمود. شعبها الذي يواجه القصف والحصار بصدور عارية يثبت يومًا بعد يوم أن الدولة ليست جغرافيا مرسومة على الخرائط فقط، بل هي ذاكرة ووجدان وهوية جمعية لا تنكسر. 
وإذا كانت القوة العسكرية تمنح الإحتلال تفوقًا مؤقتًا، فإن قوة الإرادة تمنح الفلسطينيين أفقًا أبديًا لا يمكن محوه.

وختاماً ، أشير إلي أنه مهما تغيرت الحكومات وتبدلت التحالفات ،  فالحقيقة التي لا يمكن أن يمحوها الزمن هي أن فلسطين كانت
وما زالت وستظل أرضًا عربية خالصة وشعبها هو صاحب الحق الشرعي الوحيد فيها.
والعالم بدأ يرفع صوته في وجه الإحتلال والضمير الإنساني لم يعد يقبل تبريرات القوة ولا أكاذيب السياسة. 
وإذا كان نتنياهو يجد في واشنطن سندًا مؤقتًا، فإن شعوب الأرض قاطبة تقول كلمتها بوضوح أن فلسطين حرة والإحتلال إلى زوال.