في واقعة فريدة تسلط الضوء على تداخل التاريخ الطبيعي مع الحضارات البشرية، كشف باحثون في إسبانيا عن حذاء أثري يعود إلى نحو 675 عامًا، عثر عليه داخل عش نسر ملتح في منطقة جبلية جنوب البلاد، إلى جانب أكثر من 200 قطعة أثرية محفوظة بشكل مذهل.
اكتشاف حذاء أثري يعود إلى 675 عاما
وبحسب دراسة نُشرت مؤخرا في مجلة Ecology العلمية، فإن فريقا من العلماء تمكن، بين عامي 2008 و2014، من الوصول إلى 12 عشا للنسر الملتحي في كهوف ذات تضاريس وعرة، تقع في بيئة جافة وباردة ساعدت على الحفاظ على المواد العضوية والقطع الأثرية.
ومن بين أبرز الاكتشافات، صندل نسج من نبات "الإسبارتو"، يقدر عمره بـ675 عاما، يعتقد أنه فُقد أو تُرك من قبل أحد الأشخاص في العصور الوسطى، قبل أن يحمله النسر إلى عشه. ووجد الباحثون أن هذا الحذاء ظل محفوظًا في ظروف طبيعية استثنائية، تصفها الدراسة بأنها أشبه بـ"متحف طبيعي".
كنوز أثرية في أعشاش النسور
الأعشاش التي تم فحصها كشفت عن مجموعة واسعة من المواد، شملت أكثر من 2100 قطعة من العظام، و86 حافرا، وشظايا من قشور البيض، وقطع نسيج، بالإضافة إلى مقلاع مصنوع من الإسبارتو، ورأس سهم يُرجّح أنه إما استخدم في بناء العش أو وصل إليه عبر إحدى فرائس الطائر.
ويعرف النسر الملتحي بسلوكه الفريد، إذ يعتمد في غذائه على العظام، ويقوم بتلوين ريشه بالطين الأحمر البرتقالي، كما يعيد استخدام نفس مواقع التعشيش عبر الأجيال، ما يساهم في تراكم طبقات زمنية من المواد العضوية والآثار البشرية.
السلوك الحيواني كأرشيف تاريخي
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة، أنطوني مارغاليدا، من معهد البيرينيه للبيئة في إسبانيا، إن هذه الأعشاش تمثل سجلا بيئيًا وثقافيًا يعود إلى قرون مضت، مشيرا إلى أن النسور تواصل تجميع المواد واستخدام نفس الأعشاش عبر الأجيال، ما يحولها إلى أرشيف طبيعي غني بالمعلومات.
ورغم اختفاء النسر الملتحي من جنوب إسبانيا خلال القرن العشرين، فإن أعشاشه القديمة ما تزال صامدة، حاملة بين طبقاتها رواسب من الماضي الإنساني والطبيعي.
ويأمل الفريق العلمي في توسيع نطاق أبحاثه، لتشمل مزيدا من مواقع التعشيش، ما قد يوفر رؤى جديدة حول التفاعل بين الإنسان والحيوان في البيئات النائية، وكيفية تطور الأنظمة البيئية عبر العصور.