تزامنًا مع الذكرى السنوية لحرب أكتوبر المجيدة، تتجدد مشاهد الصراع في المنطقة ولكن بصور مختلفة، إذ يشهد الملف الفلسطيني الإسرائيلي تطورات متسارعة بعد إعلان حركة حماس موافقتها المشروطة على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، وما تبع ذلك من زيارة وفد الحركة إلى القاهرة، في خطوة وصفها محللون بأنها قد تمثل منعطفًا جديدًا في مسار الأزمة.
سعيد الزغبي: أكتوبر شهر المفاجآت الكبرى.. و5 أكتوبر 2025 قد يكون بداية لنهاية الصراع في غزة
قال الكاتب والمحلل السياسي سعيد الزغبي إن شهر أكتوبر دائمًا ما يأتي محملاً بالمفاجآت والضربات الاستباقية في التاريخ العربي الحديث، بدءًا من حرب أكتوبر 1973، مرورًا بـ أحداث 7 أكتوبر 2023، وصولًا إلى 5 أكتوبر 2025 الذي قد يمثل “بداية نهاية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، في ضوء التطورات الأخيرة المتعلقة بإعلان حركة حماس موافقتها المشروطة على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، وما تلاها من زيارة وفد الحركة إلى القاهرة.
وأضاف الزغبي في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد أن هذه التطورات لا يمكن قراءتها باعتبارها مجرد استجابة دبلوماسية لمبادرة سياسية، بل تعكس تعقيدات استراتيجية وسياسية عميقة تستدعي تحليلًا معمقًا لفهم دوافعها وتداعياتها.
وأوضح أن موافقة حماس المشروطة على الخطة ودخولها في مفاوضات تشمل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين وتسليم إدارة غزة لكيان مستقل تحت مظلة السلطة الفلسطينية، ترتبط بعدة عوامل رئيسية:“أول هذه العوامل هو الضغط العسكري والإنساني الهائل الذي تواجهه الحركة داخل القطاع، ما يجعل من القبول المؤقت بالخطة محاولة لتخفيف حدة المعاناة ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومنح سكان غزة متنفسًا إنسانيًا”.
وأشار الزغبي إلى أن “العامل الثاني يتمثل في البحث عن شرعية سياسية جديدة؛ فحماس تسعى إلى إعادة تقديم نفسها كطرف سياسي قادر على التفاوض وإبرام الاتفاقات، بما يعزز حضورها الإقليمي والدولي، خصوصًا مع تزايد الحديث عن مستقبل غزة بعد الحرب”.
وأضاف:“أما العامل الثالث فهو تكتيكي تفاوضي بحت، إذ قد تكون الموافقة المشروطة محاولة لكسب الوقت، أو لإعادة تشكيل شروط الحوار، أو لاختبار جدية الأطراف الأخرى، مع الاحتفاظ بأوراق تفاوضية مهمة مثل رفض التهجير واشتراط الانسحاب الإسرائيلي الكامل.”
ولفت الزغبي إلى أن العامل الرابع يتمثل في الضغوط الإقليمية والدولية، قائلًا:“من الواضح أن الموقف الحالي جاء في ظل وساطات مكثفة من مصر وقطر والولايات المتحدة، وحماس تدرك أن رفض الخطة بشكل قاطع قد يعمق من عزلتها السياسية.”
وأكد الزغبي أن زيارة وفد حماس إلى القاهرة تحمل أبعادًا استراتيجية أعمق من كونها جولة تفاوضية عابرة، موضحًا أن القراءة الدقيقة للزيارة تكشف ثلاثة محاور رئيسية:
- الدور المصري المحوري: “مصر تلعب دور الوسيط الذي لا يمكن تجاوزه، وتسعى من خلال هذه الوساطة إلى تحقيق الاستقرار على حدودها الشرقية، والحفاظ على نفوذها الإقليمي، ومنع تفجر الأوضاع في غزة بما يهدد أمنها القومي.”
- اختبار النوايا: “المفاوضات الجارية في القاهرة تمثل اختبارًا حقيقيًا لجديّة الأطراف كافة؛ فحماس تريد إثبات مصداقيتها، وإسرائيل تختبر حدود التنازل، أما واشنطن فتختبر قدرتها على فرض رؤيتها للحل.”
- مستقبل السلطة الفلسطينية: “الحديث عن تسليم إدارة غزة إلى كيان تحت مرجعية السلطة الفلسطينية يفتح تساؤلات عميقة حول قدرتها على تحمل هذا الدور ومدى قبول الفصائل الفلسطينية الأخرى بذلك.”
وتوقع الزغبي ثلاثة سيناريوهات رئيسية للمرحلة المقبلة:
- الاختراق المحدود (الأكثر ترجيحًا): اتفاق جزئي يركز على تبادل الرهائن مقابل هدنة طويلة نسبيًا وتخفيف الحصار، وهو “حل وسط يسمح لكل طرف بتحقيق مكاسب مؤقتة دون تنازلات استراتيجية كبرى.”
- الانهيار والعودة للتصعيد (محتمل): “فشل المفاوضات بسبب تمسك كل طرف بشروطه القصوى، ما يعيد دوامة العنف ويزيد الأزمة الإنسانية تعقيدًا.”
- الاتفاق الشامل (الأقل ترجيحًا): “وصول الأطراف إلى حل نهائي يشمل وقفًا دائمًا للنار وانسحابًا كاملاً وترتيبات طويلة الأمد لغزة، لكنه يتطلب تنازلات كبرى وتوافقًا دوليًا يصعب تحقيقه حاليًا.”
واختتم الزغبي تصريحاته قائلًا:“موافقة حماس المشروطة وزيارتها إلى القاهرة تمثلان مناورة سياسية معقدة في ظروف استثنائية، قد تفتح نافذة أمل ضيقة، لكنها محفوفة بالمخاطر والتحديات، نجاحها سيعتمد على قدرة الوسطاء وفي مقدمتهم مصر على إدارة التوقعات المتضاربة والضغوط من جميع الأطراف، مصر تمثل البطولة في هذا المشهد، وإذا أحسنت إدارة هذه المرحلة، فقد تكون بالفعل بداية لمرحلة جديدة في معادلة الصراع.