شهدت عدد من قرى محافظة المنوفية وعدد من المحافظات الأخرى الواقعة على طرح نهر النيل، موجة من الغرق بعد ارتفاع منسوب المياه خلال الأيام الأخيرة.
وفي المقابل، أعلنت وزارة الموارد المائية والري استعدادها الكامل للتعامل مع كميات المياه الزائدة، من خلال خطة طوارئ تم إعدادها مسبقًا بالتنسيق مع مختلف أجهزة الدولة، خاصة في ظل الأوضاع المقلقة التي شهدتها بعض المناطق في السودان مؤخرًا نتيجة الفيضانات
حمدي عرفة: فيضانات المنوفية والبحيرة نتيجة تصرف إثيوبي أحادي.. ومطلوب تحرك عاجل من مصر والسودان في مجلس الأمن
أكد الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية والخبير في الشؤون الحكومية، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد أن تحذيرات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، للمواطنين في محافظتي المنوفية والبحيرة، خاصة القاطنين على ضفاف النيل والمناطق العشوائية، تأتي في توقيت بالغ الأهمية بعد ارتفاع منسوب المياه بشكل غير مسبوق، نتيجة التصرفات الأحادية من جانب إثيوبيا في تشغيل سد النهضة دون تنسيق مع مصر والسودان.
وأوضح عرفة أن تحذيرات الدولة لم تقتصر فقط على ضفاف النيل كما يعتقد البعض، بل شملت أيضًا المنازل والعشش المقامة بشكل مخالف في القرى والمدن القريبة من مجاري المياه والترع، مشيرًا إلى أن رئيس مدينة أشمون أصدر بالفعل قرارات بإخلاء قرى ومناطق كاملة تحسبًا لأي طارئ قد يهدد حياة المواطنين.
وأضاف:“ما حدث في المنوفية والبحيرة ليس مجرد أمطار موسمية، بل هو انعكاس مباشر لتصرف أحادي من إثيوبيا بفتح السد دون أي تنسيق مسبق، وهو ما تسبب في تهديد الأرواح، وغمر الأراضي الزراعية، وتدمير الثروة الحيوانية، بخسائر قد تقدر بالمليارات.”
وطالب الدكتور حمدي عرفة الحكومة المصرية بضرورة تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي بالتنسيق مع السودان، مؤكدًا أن “الوقت الحالي هو الأنسب للتحرك”، خاصة في ظل وقوع وفيات وانهيارات زراعية داخل الأراضي السودانية.
وقال:“لدينا حجة قانونية قوية ضد إثيوبيا لأنها اتخذت قرارات منفردة في إدارة السد دون أي تنسيق مع دولتي المصب. يجب تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن، وأخرى إلى الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، مع الدعوة لاجتماع عاجل لوزراء المياه العرب لمناقشة الأزمة.”
وشدد عرفة على أن التعامل مع أزمة الفيضان ليس مسؤولية وزارة الري وحدها، قائلاً:“الاعتقاد بأن وزارة الري هي المسؤولة عن إدارة ملف الفيضانات خطأ كبير، هذه أزمة وطنية تتطلب تنسيقًا بين جميع الوزارات والمحافظين الـ27، لأن كل وزارة لها دور محدد، حتى وزارة القوى العاملة يجب أن تضع خططًا لتأمين العمال في المناطق المتضررة.”
وأضاف أن هناك ضعفًا في التنسيق بين الوزارات المعنية، خصوصًا بين المحافظين، وزارة الري، وزارة التنمية المحلية، وهيئة الأرصاد الجوية، مؤكدًا أن دور هيئة الأرصاد “محوري” لأنها الجهة القادرة على تحديد حجم الأمطار ومواعيدها بدقة.
وأشار عرفة إلى أن تصريحات رئيس الوزراء تضمنت بوضوح التنبيه على إزالة التعديات والعشش غير الآمنة على ضفاف النيل، موضحًا أن هذه التعديات تشكل خطرًا مباشرًا على السكان.
وقال:“لا يمكن ترك أي مبان أو تجمعات عشوائية على مجرى النيل أو الترع الفرعية، الإزالة واجبة، ولكن يجب أن تكون مدعومة بتنسيق أمني كامل بين المحليات وشرطة المسطحات المائية لتأمين فرق التنفيذ، لأن بعض الموظفين في المحليات يتعرضون لاعتداءات أثناء إزالة التعديات.”
وأكد عرفة أن الأزمة كشفت عن قصور حاد في البنية التحتية الزراعية، موضحًا أن شبكات تصريف المياه غير مؤهلة للتعامل مع كميات الأمطار الكبيرة، مما يؤدي لاختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي، وتهديد سلامة المحاصيل.
وتابع “يجب البدء فورًا في تنفيذ خطة عاجلة لتقوية شبكات الصرف الزراعي، ومنع ردم المصارف، وإنشاء سدود صغيرة لتجميع المياه الزائدة في المحافظات الأكثر عرضة للفيضانات، بدلًا من تركها تغرق الأراضي.”
وأشار عرفة إلى أن السد العالي ومفيض توشكى يقومان بدور مهم في تنظيم منسوب مياه النيل، إلا أن زيادة كميات المياه القادمة من إثيوبيا تفرض على الدولة تنسيقًا أكبر بين المحافظين ووزارتي الري والنقل لإدارة تصريف المياه بطرق علمية حديثة.
وأضاف:“إثيوبيا تفتح السد بمعدلات وصلت إلى نحو 600 مليون متر مكعب يوميًا، وهو ما يعني أن الأزمة لن تتوقف عند محافظتي البحيرة والمنوفية فقط، بل ستمتد إلى محافظات الدلتا الأخرى، لذلك يجب أن تكون التحذيرات شاملة وليست محدودة بمحافظتين.”
واختتم الدكتور حمدي عرفة تصريحاته قائلاً:“يجب تعديل سياسات التخطيط العمراني بشكل عاجل، ومنع أي بناء سكني أو حتى حكومي في نطاق لا يقل عن 30 كيلومترًا من مجاري النيل أو الترع، كما يجب وضع اشتراطات صارمة للبناء في المدن الجديدة القريبة من النهر، مع إنشاء شبكات صرف حديثة تواكب المعايير الأوروبية.”
وأضاف أن التنسيق المؤسسي بين الجهات التنفيذية أصبح “مسألة حياة أو موت”، مؤكدًا أن نجاح الحكومة في مواجهة الأزمة الحالية سيكون نموذجًا لقدرتها على التعامل مع تبعات سد النهضة مستقبلًا.