فتاوى
ما حكم ضرب الزوجة تاركة الصلاة؟
هل الأنبياء أحياء في القبور ؟
ما حكم القتـ.ل الرحيم للمريض؟
نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى التى يتساءل عنها كثير من الناس نستعرض أبرزها فى التقرير التالى.
ما حكم ضرب الزوجة تاركة الصلاة؟
ماذا يفعل الزوج والأب مع زوجته وأبنائه الذين لا يُصَلُّون حتى بعد تقديم النُّصْح لهم؟ وهل يحقُّ له ضربهم على تركها؟.. سؤال ورد لدار الإفتاء المصرية.
وقالت دار الإفتاء : على رَبِّ الأسرة النصحُ لمن هُم تحت رعايته من الزوجة والأولاد وغيرهم بالمحافظة على الصلاة، واتخاذ كافة الوسائل المعنوية المشروعة في حثِّهم عليها، فإن أصرّوا على تركها فلا يلحقه من ذلك إثمٌ، مع مراعاة المداومة على النُّصح والإرشاد، والدعاء لهم بصلاح الحال.
وأضافت: الضَّربُ الوارد في الحديث النبوي الشريف؛ كصورةٍ من صور التأديب على التهاون في أداء الصلاة، فالمراد به: الخفيف غير المبرح الذي يكون من جنس الضرب بالسواك ونحوه مما لا يُعَدُّ أصالةً للضرب والإيلام؛ لأن المقصود من ذلك هو التربية والتأديب النفسي بإظهار العتاب واللوم وعدم الرضا عن التقصير في امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بإقام الصلاة، واللجوء إليه ليس بواجبٍ، وإنما هو مندوبٌ إليه في حقِّ الولد المميِّز إذا تعيَّن وسيلةً لتأديبه، بخلاف الزوجة والولد البالغ والصغير غير المميِّز؛ فلا يجوز ضربهم على ترك الصلاة.قالت دار الإفتاء المصرية، إن ضرب الزوجة أو إهانتها أو الاعتداء عليه سواء بالضَّرْب أو بالسب- أمر محرم شرعًا، وفاعل ذلك آثمٌ، ومخالف لتعاليم الدين الحنيف.
وأكدت «الإفتاء» في إجابتها عن سؤال: « هل ضرب الزوج لزوجته حلال ؟» أن الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة؛ قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم: 21).
ورداً على مَنْ يبيحون ضرب الزوجة نبهت دار الإفتاء على أن الشرع الشريف أمر الزوجَ بإحسان عِشْرة زوجته، حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حُسْن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي» (رواه الترمذي).
وأكملت دار الإفتاء في تأكيدها على رفض ضرب الزوجة : أن الشرع حَثَّ على الرِّفْق في التعامل بين الزوج والزوجة، ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفق في الأمر كله؛ فقال: «إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إلا شانَه» (رواه مسلم).
هل الأنبياء أحياء في القبور ؟
وقالت دار الإفتاء المصرية، إنَّ الأنبياءَ أحياءٌ في قبورهم؛ وهم أولى بذلك من الشهداء الذين ورد فيهم النص القرآني في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
وأضافت دار الإفتاء، أن الإجماع على أنَّ الأنبياء أرفعُ درجة من الشهداء، وقد رأى النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج يصلي في قبره، كما رآه في السماء السادسة، وقد راجعه مرارًا في أمر الصلاة.
وفي السنة كثير من الأحاديث الدالة على حياة الأنبياء؛ من ذلك حديث: «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّون» رواه أبو يعلى في "مسنده" والبيهقي في "حياة الأنبياء في قبورهم" من طرق متعددة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، كما أنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في "سننهم" وابن خزيمة في "صحيحه" وأحمد في "مسنده"، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء.
وأمَّا قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: 30] فمعناه: أنَّ روحك ستفارق بدنك وتدخل في عالم آخر، وحديث: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُحْدِثُونَ وَيُحَدَثُ لَكَمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمَدْتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكَمْ» رواه البزار في "مسنده" وغيره. فهو حديث صحيح ومُحْتَجٌّ به في هذا المقام وفي غيره.
وذكرت دار الإفتاء، أن حياةُ الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لا يعلم كيفيتها إلا الله تعالى، ولا يجوز شرعًا أن نجول في هذا الميدان، وكلُّ ما هو مطلوب منا أن نؤمن بحياة الأنبياء والشهداء حياة عند ربهم هو وحده الذي يعلم كيفيتها وماهيتها.
صحة حديث الأنبياء أحياء في قبورهم
قال الدكتور علي جمعة، إن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم ويعبدون ربهم في قبورهم.
واستشهد «جمعة» عبر صفحته بـ«فيسبوك»، بما روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مررت على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره»، وعنه -صلى الله عليه وسلم-: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون».
وأوضح أنه يدل هذا الحديث على أنهم أحياء بأجسادهم وأرواحهم لذكر المكان حيث قال «في قبورهم»، ولو كانت الحياة للأرواح فقط لما ذكر مكان حياتهم، فهم أحياء في قبورهم حياة حقيقية كحياتهم قبل انتقالهم منها، وليست حياة أرواح فحسب؛ كما أن أجسادهم الشريفة محفوظة يحرم على الأرض أكلها، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».
وأشار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- انتقل من هذه الحياة الدنيا، ولكن بانتقاله هذا لم ينقطع عنا -صلى الله عليه وسلم- وله حياة أخرى هي حياة الأنبياء، وهي التي تسمى الحياة بعد الموت، أو الممات كما سماها -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «حياتي خير لكم تُحدثون ويَحْدُث لكم، ومماتي خير لكم، تُعرض علي أعمالكم فما رأيتُ من خير حمدت الله، وما رأيتُ من شر استغفرت الله لكم».
وتابع: قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي؛ حتى أرد عليه السلام»، وهذا الحديث يدل على اتصال روحه ببدنه الشريف -صلى الله عليه وسلم- أبدًا؛ لأنه لا يوجد زمان إلا وهناك من يسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد انتقاله ليست كحياة باقي الناس بعد الانتقال؛ وذلك لأن غير الأنبياء لا ترجع أرواحهم إلى أجسادهم مرة أخرى، فهي حياة ناقصة بالروح دون الجسد، وإن كان له اتصال بالحياة الدنيا كرد السلام وغير ذلك مما ثبت في الآثار، ولكن الأنبياء في حياة هي أكمل من حياتهم قبل الانتقال، وأكمل من حياة باقي الخلق بعد الانتقال.
ما حكم القتـ.ل الرحيم للمريض؟
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم ما يعرف في بعض بلاد غير المسلمين بالقتل الرحيم أو الموت الرحيم للآدمي المريض عند اشتداد المرض عليه والألم، وذلك بطلب منه، أو من قريبه المسؤول عنه، أو بقرار الطبيب باعتباره المشرف المسؤول عنه؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: ما يسمى بـ"القتل الرحيم" أو "الموت الرحيم" للآدمي حال اشتداد المرض عليه والألم -مُحرَّمٌ شرعًا، بل هو من كبائر الذنوب وأعظمها، سواء كان ذلك بفعل المريض نفسِه، أو بفعل الطبيب بناءً على طلب المريض أو ذويه، أو بقرار منه باعتباره المشرف المسؤول عنه.
والواجب على مَن ابتُلي بمصيبة ألَّا يجزع لها، بل يستقبل قضاءَ الله بنفس راضية صابرة، ولا ييأس من رحمة الله تعالى.
بيان المقصود بالقتل الرحيم
"الموت الرحيم" أو "القتل الرحيم" أو "تَيسير الموت": هو عبارة عن إنهاء حياة المريض الذي لا أمل في شفائه عن طريق تناوله بنفسه أو إعطاء غيره إياه جرعةً من مادةٍ تؤدي به إلى الوفاة، ويُلجأ إلى هذا الإجراء عند الإصابة بمرض عضال أو المعاناة من ألم مزمن، وقد يكون هذا الإجراء بفعل المريض نفسه، أو يفعله غيرُه بطلب منه، أو يقرره الطبيب المعالج له بسبب الحالة التي وصل إليها المريض، أو يكون بطلب من أهل المريض أو القائم على رعايته.
حكم إقدام المريض على إنهاء حياته بنفسه لمجرد المرض أو الألم
أما الحالة التي يُنهي فيها المريضُ حياتَه بنفسه بأي شكل من الأشكال، فتُكيَّف في الشريعة الإسلامية على أنها "الانتحار" أو "قتل الإنسان نفسَه".
وقد حَرَّمت الشريعةُ الإسلامية إتلافَ البدن وإزهاقَ الروح عن طريق الانتحار أو ما يؤدي إلى إتلافه؛ فأَمَرَت الإنسانَ بالمحافظة على نفسه وجسده من كل ما يُهلِكه أو يَسوؤه، ونَهت عن أن يقتل الإنسانُ نفسَه أو يُنزِلَ بها الأذى، وبيَّنت أنَّ كلَّ إنسانٍ وإن كان صاحب إرادةٍ حُرة -فيما يَتعلق بشخصه-، إلا أن هذه الإرادة مُقَيَّدةٌ بالحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
وقد "أجمع أهل التأويل على أنَّ المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعضُ الناس بعضًا، ثم لفظُها يتناول أن يقتل الرجل نفسه"، كما في "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي (5/ 156-157، ط. دار الكتب المصرية).
ونهت أيضًا عن التهلكة، فقال سبحانه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]. والتهلكة: مصدرٌ مِن هلك يهلك هلاكًا وهلكًا وتهلكةً، أي: لا تأخذوا فيما يهلككم، والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنَّه تهلكة في الدِّين أو الدنيا فهو داخل في هذا، كما في "فتح القدير" للعلامة الشوكاني (1/ 222، ط. دار ابن كثير).
وقال الإمام الطَّبَرِي في "جامع البيان" (3/ 593، ط. مؤسسة الرسالة): [إنَّ الله نَهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» أخرجه الإمامان: البخاري واللفظ له، ومسلم.
وعن ثابت بن الضحّاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» متفقٌ عليه.
ومن الضروريات التي أمر الشرع الشريف بالمحافظة عليها والعناية بها: حفظُ النفس الإنسانية بما يشمل حفظ الجسد علاجًا ووقايةً وترقيةً.
ولم تكتف الشريعة الغراء بتقرير حق الإنسان في الحياة وسلامة نفسه، بل أوجبت عليه اتخاذ الوسائل التي تحافظ على حياته وصحة بدنه وتمنع عنه الأذى والضرر.
يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلُّ ما يتضمَّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة] اهـ.ومن ثَمَّ فيَحرُم على الإنسان أن يُقدِم على إنهاء حياته بنفسه لمجرد المرض أو الألم؛ لأن ذلك يعد قتلًا للنفس، وهو منهي عنه شرعًا، بل وفيه حرمان من مقام الشهادة؛ لما روي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التَقَى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عسكره، ومالَ الآخَرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ لا يَدَعُ لهم شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا اتَّبَعَهَا يَضرِبُها بسَيفه، فقال: ما أجزأ منا اليومَ أحدٌ كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَا إِنَّهُ مِن أَهْلِ النَّارِ»، فقال رجلٌ من القوم: أنا صاحِبُه، قال: فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجُرِحَ الرجلُ جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نَصلَ سَيفه بالأرض، وذُبابَهُ بين ثدييه، ثم تَحَامَل على سَيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وَمَا ذَاكَ؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل النار، فأعظَم الناسُ ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجتُ في طَلَبه، ثم جُرِحَ جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نَصلَ سَيفه في الأرض، وذُبابَهُ بين ثدييه ثم تَحَامَل عليه، فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ النَّارِ فِيمَا يَبدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ» متفق عليه.
حكم إقدام الطبيب على إنهاء حياة المريض
أما الحالة التي يُقدِم فيها الطبيب على إنهاء حياة المريض، سواء بتوجيهٍ من المريض نفسِه أو من ذويه، أو بقرار منه باعتباره المشرف المسؤول عنه، وسواء كان ذلك بعلم المريض أو بغير علمه، فذلك قتل الإنسانِ غيرَه بغير حقٍّ؛ لأن الأصل في النفس الإنسانية عِصمتُها، وعدمُ جواز الاجتراء على إنهاء حياتها، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (13/ 179، ط. دار إحياء التراث العربي): [الأصل في قتل النفس هو الحرمة، وحِلُّه لا يثبت إلا بدليلٍ منفصل] اهـ.
بل جعل الله تعالى قتل النفس بغير حقٍّ كأنه قتلٌ للناس جميعًا، فقال سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (11/ 344): [المقصود من تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل النفوس: المبالغة في تعظيم أمر القتل العمد العدوان وتفخيم شأنه، يعني: كما أن قتل كل الخلق أمرٌ مستعظمٌ عند كل أحدٍ، فكذلك يجب أن يكون قتل الإنسان الواحد مُستَعظَمًا مَهيبًا] اهـ.
كما جاء النص الشرعي مخبرًا بأن المسلم في أي ذنبٍ وقع كان له في الدِّين والشرع مخرجٌ إلا القتل؛ فإن أمرَهُ صعبٌ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَن يَزَالَ المُؤمِنُ في فُسحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَم يُصِب دَمًا حَرَامًا»، ويوضح هذا المعنى ما جاء في تمام الحديث من قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «إِنَّ مِن وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لَا مَخرَجَ لِمَن أَوقَعَ نَفسَهُ فِيهَا: سَفكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيرِ حِلِّهِ» أخرجهما الإمام البخاري.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنيَا أَهوَنُ عَلَى اللهِ مِن قَتلِ رَجُلٍ مُسلِمٍ» أخرجه الأئمة: الترمذي، والنسائي، والبيهقي، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.ومِن عِظَم شأن الدم فإنه أول ما يقضى فيه بين الخلائق يوم القيامة، فعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَوَّلُ مَا يُقضَى بَينَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» متفق عليه.
ما يجب على المريض إذا اشتدَّ به المرض والألم
الذي تُوصي به دارُ الإفتاء المصريةُ مَن ابتُلي بمصيبة: ألَّا يجزع لها، بل يستقبل قضاءَ الله بنفس راضية صابرة؛ لقول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
قال الإمام أبو حيَّان الأندلسي في "البحر المحيط في التَّفسير" (2/ 56، ط. دار الفكر): [كلُّ مَن صبر صبرًا محمودًا شرعًا، فهو مندرجٌ في الصابرين] اهـ.
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (4/ 72، ط. دار المعرفة): [أما الصبرُ على بلاء الله تعالى فلا يقدِر عليه إلا الأنبياءُ؛ لأنَّه بضاعةُ الصديقين، فإنَّ ذلك شديدٌ على النفس، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَسأَلُكَ مِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيَّ بِهِ مَصَائِبَ الدُّنيَا»، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «انتِظَارُ الفَرَجِ بِالصَّبرِ عِبَادَةٌ»] اهـ.وأكدت بناءً على ذلك: أن ما يسمى بـ"القتل الرحيم" أو "الموت الرحيم" للآدمي حال اشتداد المرض عليه والألم -مُحرَّمٌ شرعًا، بل هو من كبائر الذنوب وأعظمها، سواء كان ذلك بفعل المريض نفسِه، أو بفعل الطبيب بناءً على طلب المريض أو ذويه، أو بقرار منه باعتباره المشرف المسؤول عنه، والواجب على مَن ابتُلي بمصيبة ألَّا يجزع لها، بل يستقبل قضاءَ الله بنفس راضية صابرة، ولا ييأس من رحمة الله تعالى.



