قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

علي جمعة: الإنجاز بلا أخلاق خطر يهدد الإنسان والحضارة

الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الفاجر القوي يتبنّى مبدأ تقديم الإنجاز على القيم والأخلاق، وهو نموذج يخافه الجميع لقوّته، رغم ظهور فضائحه وسوء أخلاقه، ولا يرى في ذلك ضررًا ما دام ينجز وينجح في عمله. ونحن نخشى على أولادنا من هذا النموذج، الذي يعلّمهم أن معيار النجاح في الحياة هو القوّة والإنجاز، ولو خالطه الفجور.

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه في المقابل نرى تربية الله ورسوله لنا على غير هذا الشأن؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يربّينا أن نكون أقوياء، وأن نأخذ بيد العاجز منا ونصل به إلى القوّة؛ فالعجز مذموم، خاصة إن كان في عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس. غير أنّ "المؤمن العاجز خيرٌ من الفاجر القويّ عند الله"، وينبغي أن يكون كذلك عند الناس؛ فالمؤمن يمتلك القيم والأخلاق، والإصلاح هو البناء الذي تقوم به الحضارة الإنسانية الحقيقية.

ومبدأ الإنجاز الذي نذمّه هو أن يكون وحده المعيار مع مخالفة الأخلاق والقيم والثوابت؛ أمّا الإنجاز مع الالتزام بكل ذلك فهو مطلوب ومأمور به في شرعنا.

ولم يكن نموذج الفاجر القوي بدعًا في اعتماد مبدأ الإنجاز المذموم؛ فتاريخ البشرية يشهد بوجود هذا النموذج منذ القديم. وخير دليل على ذلك "قوم عاد"، وهي إحدى الأمم البائدة، حيث تودّد لهم نبيّهم هود عليه السلام، كما حكى القرآن عنه فقال:

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ} [الشعراء: 124–127].

وأدرك هودٌ أن قومه فُتنوا بمنجزاتهم؛ فأراد أن يذكّرهم أنّها نعم الله، وأن الله يزيدها إذا آمنوا به، فقال لهم:

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: 128–133].

فتمسّكوا بشرعية النظام الذي هم عليه، وتمسّكوا بما ورثوه وقرّروه، ولو كان مخالفًا لمراد الله ورسوله، وقالوا حسمًا للقضية:

{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 136–137].

ويبدو أنّا قد دخلنا دائرة التشبّه بعاد: "عبثٌ، وإنجازٌ بلا قيم، وقوّةٌ بلا تقوى"؛ فجعلنا الإنجاز قرين القوة، وجعلنا العجز قرين التقوى، والله لا يحب أن يتقدّم الفاجر القوي على العاجز التقي، ولا يحب من التقي أن يستمر على عجزه.

فينبغي على المسلم أن يقدّم المقدم، ويؤخّر المؤخر؛ فيقدّم الكيف على الكم، والتقوى على الإنجاز، ويقدّم الجار قبل الدار؛ فهو دائمًا يقدّم "*الإنسان على البنيان".